جامعة ذي قار
كلية التربية للعلوم الانسانيةقسم العلوم التربوية والنفسية
محاضرات مادة : الصحة النفسية
لطلبة المرحلة الرابعة / قسم العلوم التربوية والنفسيةاعداد الدكتور
عبد العباس غضيب الحجامي
استاذ الشخصية والصحة النفسية المساعد
مقدمة في الصحة النفسية
Mental Healthان علم النفس بصفة عامة يدرس السلوك في توافقه وانحرافه . وعلم النفس يخدم علم الصحة النفسية من خلال دراساته العلمية عن طريق الوقاية والعلاج , ويمكن النظر الى علم النفس على انه "علم صحة " ،اذ انه يقدم خدماته في مجال الصحة , وخاصة الصحة النفسية والعلاج النفسي , وان فروع علم النفس المرضي وعلم النفس الاكلينيكي وعلم النفس التحليلي خير دليل على العلاقة بين علم النفس والصحة.
ولقد زاد الاهتمام بالصحة النفسية للأفراد وتكامل شخصياتهم على مختلف الأصعدة وقد يعود هذا إلى التطور العلمي وتعقد الحياة في المجتمع , وازدياد الجهود المبذولة من قبل الأفراد أنفسهم في سبيل استمرار الحياة والإنتاج , فموضوع الصحة النفسية من الموضوعات التي يحتاجها المختص والطالب الجامعي ورب الاسرة والانسان البسيط، لأن الصحة النفسية توفر للأفراد الشعور بالسعادة والامان والرضا والراحة وتقبل الذات والاخرين.
نبذة تاريخية عن نشأة الصحة النفسية
----------------------------لقد مر تطور الصحة النفسية بتاريخ طويل يرجع الى حوالي خمسة آلاف سنة، فقد نجد الجذور التاريخية للاضطرابات النفسية والصحة النفسية في الحضارة البابلية والسومرية والمصرية والصينية والهندية منذ أقدم الازمنة. وكان الاعتقاد العام والسائد في تلك الحضارات ان الامراض النفسية والعقلية ترجع الى قوى خارجية وان سببها مس الجن وتأثير الارواح الشريرة، وانبثق عن هذا الاعتقاد محاولات علاجية بدائية مثل احداث ثقب للجمجمة حتى يخرج منه الروح الشريرة كما ادعى السحرة والعرافون. اما رجال الدين فكانوا يأخذون المريض الى المعابد حتى يعود السلام الى حياته. وفي زمن الحضارة اليونانية والرومانية خاصة في الفترة بين(500 ق.م-200 بعد الميلاد) تطورت العلوم والمعرفة وكان الاتجاه المتداول نحو المخ الذي يعتبر هو العضو الذي يركز فيه النشاط العقلي المعرفي وان المرض العقلي دليل على اضطراب المخ.
وفي العصور الوسطى حدثت نكسة وعاد الفكر الخرافي وانتشرت الشعوذة والدجل مرة اخرى وعادت فكرة تملك الجن والارواح الشريرة لجسم المريض وتعد العصور الوسطى عصور مظلمة بالنسبة للعلاج النفسي. وقد قام رجال الدين تحت اسم العلاج الديني بمحاولات علاجية ويتكون العلاج من بعض الاعشاب ومياه الابار المباركة والتعويذات بقصد طرد الشيطان والجان، وكذلك كانوا يربطون المريض بالسلاسل وتجويعه وضربه بالسياط لأجل اخراج تلك الرواح الشريرة والدعوة بان في هذه الطريقة اعادة للذاكرة وتعمل على فتح الشهية عند المريض.
اما في العصر الحديث، والمسمى بعصر النهضة العلمية ، ومنذ ان قامت الثورة الفرنسية سنة 1789م أشرقت نور جديد على طريق الاصلاح واعيد النظر في الافكار التقليدية وتغيرت النظرة الى المرض العقلي كمرض مثله أي مرض جسمي آخر، فقد بدأ الاهتمام بالنظرة الانسانية للمرضى العقليين واقيمت المستشفيات وتحسنت الرعاية والعلاج ورفعت عنهم السلاسل وتحرروا من الزنزانات في فرنسا والمانيا واميركا واتيحت لهم فرصة الترفيه والعمل وتحسنت معاملتهم في المجتمع.
وفي بداية القرن القرن التاسع عشر ظهرت اول مجلة علمية تختص بالأمراض النفسية وبدأ تدريس الامراض العقلية والنفسية على شكل محاضرات ودرست كثير من الامراض النفسية وتحديدها ومعرفة اسبابها وعلاجها مثل الفصام والاكتئاب والهوس ...الخ. كذلك ظهور النظريات التي فسرت الامراض النفسية مثل نظرية التحليل النفسي والنظرية السلوكية وغيرها.. أما حاليا فقد زاد الاهتمام بالصحة النفسية وظهور ثورة العلاج النفسي بالصدمات والادوية والجراحة، وزاد الاهتمام في بناء المستشفيات والعيادات النفسية وتطور الدراسات والبحوث النفسية. فالتطور المذهل في وسائل العلاج ووسائل تشخيص المرض والوعي الصحي المتزايد قلّل كثيراً من فترة حجز المرضى بالأقسام الداخلية.
وان نسبة السيطرة زادت بدرجة كبيرة على الأعراض المرضية، وأصبح تقبّل العائلة للمريض النفسي في المنزل بدرجة أكبر وقد ساعد ذلك كثيراً في التقليل من بناء المستشفيات الكبيرة التي تضم أسرة للمرضى. والآن يتم التركيز على بناء وحدات نفسية صغيرة من ضمن مباني المستشفى العام, أي ليس هناك عزل للمرضى النفسيين في مصحّات أو مستشفيات كبيرة تقام بعيدًا عن المدينة.
ومن التطورات الحديثة هو بناء المزيد من المستشفيات أو المراكز النهارية, حيث تقدم للمريض كل الخدمات المتوفرة بالمستشفيات ذات الأسرة ولكن بدون أسرة, إذ يظل المريض تحت الرعاية الطبية بهذه المراكز نهارا, ثم تتولى الأسرة رعايته بقيه اليوم كأحد أفرادها لتظل علاقاته الأسرية في ترابط وانسجام. وكذلك من التطورات الحديثة التي ارتقت بالمريض النفسي إنشاء وحدات لتأهيل المريض النفسي بعد شفائه لكي يسترجع جميع مهاراته التي افتقدها في المجال المهني والاجتماعي والإنساني بسبب المرض وهذه غالباً ما تكون مضافة إلى المراكز النهارية أو قائمة بذاتها. كما ان في بعض الدول المتقدمة تبني وحدات سكنية وسط الأحياء السكنية تحت الإشراف أو بدون إشراف للمرضى النفسيين ليتعودوا على العيش باستقلالية وسط مجتمعهم، وكذلك قد يوفر للمرضى النفسيين وحدات مهنية ملحق بها سكن لهم, وذلك يلبي غرضين، تأهيل مهني، وفي نفس الوقت إيواء لهم. ومن أهم التطورات هي إصدار قوانين الصحة النفسية التي تحمي المرضى النفسيين من إيداعهم الأقسام الداخلية قسراً حتى تحفظ لهم حقوقهم القانونية لكيلا يتم حجزهم بدون أسباب مقنعة ونفس هذه القوانين أتاحت للمجتمع الحجز ألقسري للمرضى الذين يشكلون خطورة على أنفسهم أو على غيرهم ويحتاجون للعلاج ولكنهم يرفضون وذلك لحمايتهم و حماية الآخرين. كما زاد بشكل واضح اهتمام أجهزة الإعلام المختلفة بالمريض النفسي وبنشر الثقافة النفسية بين المواطنين تشجيعاً لهم بعدم التردد و التقدم لطلب العون متى ما دعت الحاجة لذلك.
معنى الصحة النفسية:
=================
الصحة النفسية هي حالة من الاحساس الايجابي لا تتحقق بصورة آلية دون سعي الفرد نحو تحقيق الصحة. ونجد انه من المستحسن ان نتطرق ببعض الموازنة بين الصحة النفسية والصحة الجسمية من حيث مناهج كل منهما، فالصحة الجسمية نصل اليها بثلاثة مناهج هي المنهج العلاجي ويتمثل بتخلص الفرد العادي من الامراض والمخاوف، والمنهج الوقائي وهو ما يتبعه الشخص من اساليب وقائية لكي يتجنب الاصابة بمرض ما، والمنهج الايجابي والذي يتبع فيه الفرد العادي المقومات الايجابية حيت تقوى صحته ويزيد نشاطه ويتمتع بالشعور بالقوة الحيوية. وكذلك الصحة النفسية لها ثلاثة مناهج كالصحة الجسمية، فنجد هناك المنهج العلاجي وهو ما يتبع لعلاج الشخص من الانحراف في الصحة العقلية كي يعود الى وضع الاعتدال، والمنهج الوقائي وهو الطريق الذي يسلكه الفرد مع نفسه ومع غيره لكي يقي نفسه وغيره الوقوع في حالة الاضطرابات النفسية. والمنهج الايجابي وهو ما يحتذيه الفرد ليزيد شعوره بالسعادة.
إن للصحة النفسية مفاهيم ومعاني كثيرة , وسنعرض مفهومين من هذه المفاهيم بغية الوصول إلى تعريف نستطيع ان نستعمله - بشكل يسمح لنا بالإفادة من هذا التعريف- في توجيه الأفراد إلى فهم حياتهم والتغلب على مشكلاتهم , حتى يستطيعوا ان يحيوا حياة سعيدة , وان يحققوا رسالاتهم كأفراد عاملين متوافقين في المجتمع.
اولاً- إن المفهوم الأول يذهب إلى القول بأن الصحة النفسية هي الخلو من أعراض المرض العقلي أو النفسي , ويلقى هذا المفهوم قبولاً في ميادين الطب العقلي. ولاشك ان هذا المفهوم إذا قمنا بتحليله نجد أنه مفهوم ضيق ومحدود لأنه يعتمد على حالة السلب أو النفي , كما انه يقصر معنى الصحة النفسية على خلو الفرد من أعراض المرض العقلي أو النفسي , وهذا جانب واحد من جوانب الصحة , فقد نجد فرداً خالياً من أعراض المرض العقلي أو النفسي ولكنه مع ذلك غير ناجح في حياته وعلاقاته مع الآخرين , سواء في العمل أو في الحياة الاجتماعية , فعلاقاته تتسم بالاضطراب وسوء التكيف..! ان مثل هذا الفرد يوصف بأنه لا يتمتع بصحة نفسية سليمة , على الرغم من خلوه من أعراض المرض العقلي أو النفسي، كما ان تعريف الصحة النفسية بانتقاء الاعراض النفسية والعقلية يعد من التعاريف السالبة للصحة النفسية.
ثانياً- المفهوم الثاني للصحة النفسية فيأخذ طريقاً واسعاً شاملاً غير محدد فهو يرتبط بقدرة الفرد على التوافق مع نفسه ومع الاخرين. وان هذا التصور الايجابي للصحة النفسية يختلف عن ذلك التصور السلبي القائم على مجرد الخلو من الاعراض المرضية العقلية أو النفسية.
وعلى هذا يمكن ان تعرف الصحة النفسية تعريفا شاملاً بانها " ليس مجرد الخلو من الأمراض العضوية والاضطرابات العقلية والسلوكية بل التوافق مع الذات والمجتمع توافقا يؤدي الى الشعور بالأمن النفسي والقدرة على مواجهة الأزمات النفسية بأساليب توافقية سليمة ومباشرة وصولاً الى التمتع بالرضا والسعادة" .
ومن هذا التعريف يمكننا ان نستنتج ان الصحة النفسية هي:
حالة دائمة نسبيا من التوافق النفسي
شعور الفرد بالسعادة والامان مع نفسه ومع الاخرين
يكون الشخص ايجابيا ومنتج من اجل مجتمعه، وبالتالي فان الصحة النفسية تعني التكامل التام بين الوظائف النفسية المختلفة مع القدرة على مواجهة الازمات النفسية العادية التي تطرأ على الانسان مع الاحساس الايجابي بالسعادة والكفاية.
وظهرت العديد من التعاريف للصحة النفسية تختلف باختلاف الاطر النظرية لمن وضع تلك التعاريف وطورها، ويمكن ذكر بعضاً منها:
فيعرف بوهم (Bo him) الصحة النفسية هي: حالة ومستوى فاعلية الفرد الاجتماعية وما تؤدي اليه من اشباع لحاجاته. ويعرف كيلاندر(Ki lander) الصحة النفسية بانها تقاس بمدى قدرة الفرد على التأثير في بيئته، وقدرته على التكيف مع الحياة، بما يؤدي الى قدر معقول من الإشباع الشخصي، والكفاءة والسعادة.
ويعرفها هارولد(Harold) بانها تتمثل في توافق الافراد مع انفسهم ومع العالم بشكل عام وبالحد الاقصى من الفعالية والرضا والبهجة والسلوك الاجتماعي المقبول والقدرة على مواجهة الحياة وتقبلها. وعرفها شوبن(Shobwn) بانها قدرة الفرد على ضبط النفس والشعور بالمسؤولية الشخصية والمسؤولية الاجتماعية والاهتمام بالقيم الخلقية.
ويعرفها عبد الرحمن العيسوي بانه تكيف الفرد لمواقف الحياة العادية تكيفاً معقولاً.
ويعرفها احمد عبد الخالق بانها: حالة عقلية انفعالية مركبة دائمة نسبياً من الشعور بان كل شيء على ما يرام، والشعور بالسعادة مع الذات ومع الاخرين والشعور بالرضا والطمأنينة والامن وسلامة العقل والاقبال على الحياة مع الشعور بالنشاط والقوة والعافية.
ويعرفها احمد زكي صالح بانها : درجة تكيف الشخص لنفسه ومع العالم الخارجي المحيط به بطريقة تكفل له الشعور بالسعادة والقدرة على مواجهة حقائق الحياة. ويعرفها جمال ابو دلو بانها التوافق التام بين الوظائف الجسمية المختلفة مع القدرة على مواجهة الصعوبات العادية المحيطة بالإنسان، ومع الاحساس الايجابي بالنشاط والحيوية.
في حين يعرفها صلاح مخيمر بانها: اتسام الشخصية بالوحدة الكلية والاستمرارية والفهم الواقعي للإمكانات الذات وحدودها وخفض التوترات والشعور باضطراد التقدم نحو اهداف المستقبل تحقيقاً للذات، وتكيفاً مع الحياة الاجتماعية ، والحصول على تقدير الاخرين وحبهم.
ويعرفها صموئيل مغاريوس بانها سلامة الفرد من المرض النفسي والعقلي في صوره المختلفة وعدم ظهور أعراض الاضطرابات السلوكية الحادة في أفعاله وتصرفاته. اما التعريف الذي وضعته المنظمة العالمية للصحة النفسية فهو: ان الصحة النفسية تعني حالة من الاكتمال الجسمي والنفسي والاجتماعي.
وتُعد كل من الصحة النفسية والمرض النفسي مفهومان لا يفهم أحدهما الا الرجوع الى الاخر, حيث ان الاختلاف بينهما هو مجرد اختلاف في الدرجة وليس في النوع , كما انه لا يوجد هناك معياراً أو انموذجاً يساعدنا في التفريق بينهما بصورة دقيقة. وهنا لا بد من القول ان الصحة النفسية هي حالة نسبية تتفاوت درجاتها باختلاف الاشخاص( قابلة للزيادة والنقصان)، وشرطها الاساس تكامل الشخصية والنضج الانفعالي.
أهداف علم الصحة النفسية
------------------
تهدف الصحة النفسية الى :
-1 فهم الانسان لنفسه ومشاعره وميوله والازمات التي تعتريه والامراض النفسية التي قد تصيبه.
-2 تبصيره بطرق العلاج وترويض النفس.
-3 تساعد في فهم نفوس المجتمع الذي يحيط به وما يختلجهم من مشاعر او ازمات نفسية.
. 4 تحقيق التوافق لدى الشخص النفسي والاجتماعي والشعور بالسعادة مع النفس ومع الاخرين.
-5 تحقيق الذات لدى الافراد واستغلال قدراتهم بالأسلوب الافضل.
-6 تدريبهم على مواجهة الحياة ومصاعبها ومشاكلها.
-7 الاخذ بيد الانسان للوصول الى التكامل النفسي اي الشعور بالاطمئنان.
الفئات المستهدفة التي يتناولها علم الصحة النفسية
---------------------------------
يستهدف علم الصحة النفسية فئات المجتمع كافة التي تعاني من اضطرابات نفسية
وعدم القدرة على التكيف زيادة على الاشخاص غير الاسوياء فلو سألتم انفسكم ماذا
سوف تنفعكم دراسة الصحة النفسية ،لكان الجواب انها تنفعكم في ثلاث محاور: الفئة الاولى:
انفسنا ،اي انها تساعدنا في معرفة انفسنا وما يشوبها من ازمات وآفات وأمراض
نفسية وكيفية علاجها فقد ورد في الحديث الشريف )من عرف نفسه فقد عرف ربه (
فكم منا يعاني من صراعات نفسية لا يعرف حلا لها .
الفئة الثانية :
المجتمع ،ان تساعدكم في معرفة المجتمع الذي حولكم من اهل واصدقاء واقرباء
وتفسير سلوكياتهم وانفعالاتهم وما يصدر عنهم وما يعانوه وكيفية مساعدتهم .
الفئة الثالثة:
التلاميذ، وهو موضوع دراستكم فان التلاميذ لهم مشاعر وميول وتطلعات وحاجات
وتصيبهم أمراض وصراعات نفسية وعدم تكيف ،وهذا يؤثر على نفسيتهم وامزجتهم
مما يؤثر على مستواهم الدراسي، فمن الواجب عليكم ان تشخصوا ما يعانيه التلاميذ
من هذه الازمات ومحاولة علاجها او التخفيف عنهم واستعمال الاساليب التربوية في
التعامل معهم.
درجات الصحة النفسية :
==================
أ . الصحيح نفسياً : هو ذلك الفرد الذي يتمتع بالوعي لدوافع سلوكه وباستجابات تكيفية للمواقف المختلفة ، ويمتلك طاقة نفسية ايجابية تمكنه من التأثير في الآخرين ، وحل مشكلاته من دون اضطراب .
ب. الســـليم نفســـيا ً : الذي يتمتع باستجابات تكيفية للمواقف الحياتية لكنه يفتقر الى الطاقة النفسية الايجابية المؤثرة .
ج. الخالي من المرض النفسي : الفرد الذي لا تصدر عنه استجابات عصابية او ذهانية في الظروف العادية نتيجة لعدم تعرضه لمواقف ضاغطة وشديدة ، لكنه قد يستجيب بصورة مرضية ومضطربة اذا ما تعرض للضغوط ومواقف التفاعل المؤثرة.
د. المريض نفسياً : وهو الفرد الذي لا يستطيع ان يواجه المواقف التفاعلية بأي صورة من صور التكيف ، بل يستجيب لها استجابات عصابية او ذهانية . وتظهر عليه اعراض المرض بصورة واضحة .
معوقات تحقيق الصحة النفسية
=================الفهم الخاطئ من قبل المجتمع للمرض النفسي والعلاج أدى بالعزوف عن مراجعة العيادات النفسية، اذ ارتبطت الاضطرابات النفسية بالجنون عند بعض الجهلة.
اهمال الناس علاج الاضطرابات النفسية واقتصار الاهتمام بالأمراض الجسدية فقط.
3 . الممارسات التربوية من قبل الاسرة التي تبتعد عن الاسس النفسية الصحيحة
،كالقسوة والتسلط ،والاهمال والحماية الزائدة .
4 . المستوى الاقتصادي والاجتماعي فعدم تلبية الاحتياجات للفرد وانخفاض المستوى الاجتماعي سوف يشعر الفرد بالنقص مما يصيبه اما بالإحباط او الصراع او الكبت والتي تؤدي الى اضطرابات نفسية اخرى.
5. اخفاق المدرس في تحقيق مسؤوليتها في نمو شخصية الطفل من النواحي الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية يعمل على اضطراب العلاقة بين الطفل والمدرسة.
6. عدم الاستقرار الامني وكثرة الحروب يؤدي الى القلق والخوف من المجهول واذا علمنا ان الكثير من الاضطرابات النفسية تأتي بعد احداث صادمة .
7. وسائل الاعلام البرامج التلفزيونية العدوانية والمخيفة التي تثير الخوف والقلق لدى الطفل.
معايير الصحة النفسية :
==================
ظهرت اتجاهات عدة حاولت وضع معايير لتحديد السواء وغير السواء في الصحة النفسية نتيجة تعدد النظريات النفسية التي تناولت الصحة النفسية فقد وضع ( ماسلو ومتلمان،Maslow & Matalan) قائمة بالمؤشرات وتم تعديل هذه القائمة من قبل( كوفيل وآخرون ، Kofil et al) وتتضمن هذه القائمة بعض المؤشرات الآتية :
1- شعور الفرد بالأمن.
2- درجة معقولة من تقويم الفرد لذاته.
3- أهداف حياته تتسم بالواقعية .
4- اتصال فعال بالواقع .
5-تكامل وثبات في الشخصية .
6- القدرة على التعلم من الخبرة التي يمر بها الفرد.
وان أحدث المعايير التي تحدد مستوى الصحة النفسية للفرد؛ هي تلك التي يراها (وولمان ،Wolman )على النحو الاتي :
1. العلاقة بين طاقات الشخص وإنجازاته : وهو ذلك التفاوت الذي يحتمل وجوده بين ما يستطيع الفرد القيام به، وبين ما يقوم به وينجزه فعلياً .
2. الاتزان العاطفي : ويعني التوازن بين انفعالات الشخص والمؤثرات العاملة في ذلك .
3. صلاح الوظائف العقلية : ويشمل الإدراك والمحاكاة وعمل الذاكرة والتفكير وغيره، والصلاح هنا يقصد به مقدار ما يكون عليه عمل هذه الوظائف من حيث صحتها ودقتها وسيرها وفق المبادئ العقلية الأساسية .
4. التوافق الاجتماعي : ويعني مستوى توافق الفرد مع شروط حياة الجماعة وتفاعله معها. فالشخص الذي يتمتع بصحة نفسية جيدة قادر على العيش بسلام وصداقة مع الآخرين ضمن الكتل الاجتماعية.
محكات السواء واللاسواء :
---------------
إن اساليب توافق الشخص مع البيئة المادية والاجتماعية أما أن تكون اجتماعية تحضى بقبول الجماعة وعليه يكون الفرد طبيعي، واما ان تكون خارجة عن هذا الاطار فيوصف الشخص بالشاذ، وعلى ضوء ذلك فان الشخص السوي هو الذي يتوافق مع نفسه ومع المجتمع والبيئة التي يعيش فيها والقانون، اما الشخص غير السوي هو الذي لا يتوافق مع نفسه ولا مع المجتمع والبيئة والقانون.
وهناك عدداً من المحكات او المعايير المختلفة لتقرير ما هو عادي او صحي من السلوك وما هو غير عادي أو مرضي، ومن أهمها:
1- المحك الإحصائي :
يستند هذا المحك الى الصفات المختلفة سواء كانت جسمية أو عقلية أو نفسية تميل في توزيعها بين الافراد الى الاعتدال ، بحيث نجد أن اغلب الافراد يملكون من هذه الصفات شيئا متقاربا وقليل منهم يتطرفون في زيادة السمة أو نقصانها ، فلو حاولنا ان نقيس السمات عند الناس بمقاييس موضوعية وتوزيع الدرجات التي يحصلون عليها في صورة رسم بياني سوف نجد ان هذا الرسم يأخذ بصورة عامة شكل المنحنى الطبيعي. مثال ذلك ان متوسط طول الافراد في اكثر البلدان يتراوح ما بين(160- 180) وان الذي يخرج عن هذا المتوسط (قزما أو طول مفرط) يخرج عن هذا المحك.
ان المعيار الاحصائي في تحديد الشخص السوي وغير السوي يراعي ما بين الانحراف من تدرج في الحالات ( خفيفة، متوسطة، شديدة) لكنه يواجه مشكلات عديدة تجعله صالحا في تحديد السواء لبعض الجوانب في الشخصية وغير صالح لتحديد جوانب اخرى، ومثال ذلك (الذكاء) فمن المعروف ان اغلب الناس تقع درجات ذكائهم في الوسط (في حدود الـ 100) على مقياسي ستانفورد بينه واختبار ووكسلر والقليل جدا تكون درجاتهم في حدود(70) فما دون ونسبتهم 2,27% ونفس النسبة تكون درجاتهم (130) فما فوق، فاذا كان الشاذ هو الذي يقع في نهاية المنحى الطبيعي فنحن نطلق على العبقري انه شاذ وعلى المتخلف عقليا انه شاذ ايضا. وفي الاخير انه يمكن القول ان هذا المعيار يصلح للحكم على السلوك السوي والسلوك الشاذ في بعض الصفات الجسمية كالطول والوزن ...الخ، ولكنه لا ينطبق على الكثير من سمات الشخصية المتعلقة بالقدرات او السمات النفسية.
2-المحك المثالي:
يستمد هذا المعيار، أصوله من الحضارات الأولى ومن الأديان المختلفة، إذ يرى أن الإنسان السوي هو الذي يقترب من الكمال ويطبق المثل العليا، أما الإنسان اللاسوي فهو الذي يبتعد بسلوكه عن الكمال , وتبعاً لهذا الاتجاه، فانه من الصعب ان يصل أو يبلغ الفرد مرتبة المثالية، نستنتج طبقاً لهذا المحك ان الافراد المثاليين سيكونون أقلية نادرة في المجتمع ، في حين ان الاغلبية ستصبح شاذة بحكم انحرافها عن معيار المثل الاعلى.3- المحك الاجتماعي الثقافي :
ويعتمد هذا المحك على تحديد السوي من غير السوي عبر الالتزام بمعايير وقيم وأعراف المجتمع ، فمسايرة المعايير الاجتماعية هي الأساس في الحكم على السلوك بالسواء أو اللاسواء . فمن استطاع أن يجاري الحياة الاجتماعية هو شخص سوي ومن لم يستطع فهو شخص غير سوي .ويمكن أن يعرف أيضا بأنه توقعات مجموعة ما من سلوك شخص ما وترتبط هذه التوقعات الاجتماعية بالعادات والقيم والثقافة والمعايير السائدة في المجتمع وبتوجه المجتمع الديني والسياسي والأخلاقي والاقتصادي . ان من المآخذ على هذا المعيار يرى السواء في الامتثال التام لقوانين المجتمع وثقافته حتى وان كانت فاسدة تتطلب من الفرد العمل على اصلاحها بدلا من التكيف معها. ولعل اكثر المآخذ التي تبرز في هذا المحك هو ان الانسان هو المرجع لسلوك الانسان لأنه يتأثر بالذاتية وقصور في وضع المعايير والضوابط. كما ان المجتمع ذاته قد يمرض فتشيع فيه ظواهر مرضية في جوهرها كالرياء والكذب والغش والخداع.., الخ فيراها البعض وسائل مشروعة للنجاح في التفاعل الاجتماعي.4- المحك الذاتي:
يعرض هذا الاتجاه، موس (Moss) وهانت (Haunt) في كتابهما عن أسس علم الشذوذ النفسي، إذ يذهبان في تحليل البناء الشخصي لكل فرد، إلى الآراء التي يعلنها عمن هو الشاذ ومن هو السوي . فالفرد ينظر إلى الناس جميعاً انطلاقاً من ذاته في تحديد السواء و اللاسواء، ويبدو أن ما ينسجم مع أفكاره وآرائه الذاتية وخبراته السابقة، هو ما يعده الفرد، معياراً لتقييم الآخرين وتصنيفهم، وكأن الشخص يحدد مجموعة من الاحكام او المعايير( مبادئ، اتجاهات) على سبيل المثال تكون بمثابة اطار مرجعي يحكم من خلاله على السلوك بما يتفق مع هذا الاطار يعد سويا وعاديا وما لا يتفق يعد شاذا وغير عادي، وانه يعاب على هذا المحك بانه غير موضوعي لأنه يختلف باختلاف الاشخاص وافتقاره الى المقومات الأخلاقية.
5- المحك الطبي النفسي(الباثولوجي):
يرى هذا المعيار أن اللاسواء في سلوك الفرد، يعود إلى صراعات نفسية لا شعورية، أو تلف في الجهاز العصبي، لذا فإن اللاسواء هو حالة مرضية فيها خطر على الفرد نفسه وعلى المجتمع، وإن السواء هو الخلو من الاضطرابات والأعراض المرضية . من المآخذ على هذا الاتجاه انه لم يحدد الدرجة التي يجب ان يصل اليها انحراف السلوك او الاضطراب او الاعتدال في الصحة النفسية حتى يمكن عده شاذا، فهناك حالات اقل شدة من حيث الاضطراب لا يمثل خطرا على الفرد نفسه او على الاخرين يستوجب عزله او عزلها كالخوف من التلوث او الظلام او الحشرات او الرعد والبرق او الاماكن المرتفعة.. الخ، اذ ان درجة الخطورة هذه لا تدرج ضمن مظاهر الشذوذ وفقا لهذا المحك.6-المحك التفاعلي:
إن الاعتماد على محك واحد من المحكات السابقة المذكورة قد يكون له مبرراته في الحياة العملية اليومية ولكن عندما يتعلق الأمر بإطلاق الأحكام التشخيصية في علم النفس المرضي والممارسة العيادية أو الصحة النفسية لا يكفي الركون إلى معيار واحد من هذه المعايير ومن المؤكد أن المعايير المختلفة ليست منعزلة عن بعضها وإنما ترتبط مع بعضها بطريقة تفاعلية فكما يمكن للمعايير الوصفية أن تحدد تكرار أو احتمال ظهور سمات محددة تستطيع المعايير العرفية(المثالية، الوظيفية) أيضاً أن تحصل على معلومات بوساطة الوسائل الإحصائية حول وجود تغير ما ، فالخرق المتكرر جداً لمعايير القانون غالباً ما يجلب معه ضرورة التعديل لهذه المعايير ، فعندما تنتشر في مجتمع من المجتمعات ظاهرة من الظواهر كازدياد نسبة تعاطي المواد المسببة للإدمان مثلاً ، او ازدياد نسبة الجريمة أو ازدياد نسبة العاطلين عن العمل ولا تعود القوانين السارية فاعلة كثيراً في مواجهة هذه الظاهرة تنبع ضرورة تعديل القوانين السارية وإيجاد قوانين بديلة أكثر فاعلية تستطيع الحد من هذه الظاهر .
7. معايير( محكات) ذات طابع اجرائي:
وهي مجموعة معايير، قدمتها مائير جاهودا(M.Jahoda) الغرض منها هو الحكم على ان الفرد يتمتع بصحة نفسية ايجابية، وهي الآتي:
الاتجاه نحو الذات
النمو والتطور وتحقيق الذات
التكامل والاتساق بين جوانب الشخصية
التلقائية والتوجيه الذاتي
السيطرة على البنية
ادراك الواقع.
الشخصية السوية عند بعض العلماء
-----------------------
اولا: فرويد: ان الشخصية السوية ، هي التي اشبعت حاجاتها الكلية دون الاحساس بالخجل أو القلق او الشعور بالذنب او الاثم ، الذي يؤدي بها الى الاحساس بالنقص أو الدونية ، فيجعل سلوكها مضطرباً .
ثانيا: سوليفان: ان الشخصية السوية هي التي تقيم علاقات سوية مع الاخرين وان مفاهيمها عن نفسها وعن الناس دقيقة وواقعية.
ثالثا: روجرز: الشخص السوي هو الذي يقبل ذاته كما هي من دون احساس بالنقص أو الدونية ولا يبالغ في هذا التقدير.
رابعا: مازلو: الشخصية السوية هي التي اشبعت حاجاتها الاساسية البيولوجية وحاجاتها للأمن والحب والانتماء والتقدير.
خامسا: فروم: الشخصية السوية هي التي تتمتع بالإنتاجية ولا تشعر الغربة النفسية في موطنها، وتحب الناس، وتنسب نفسها الى العالم كله.
سادسا: أدلر: الشخص السوي هو الذي يشعر بالتعاطف مع بقية الناس ومتعاوناً معهم لا من اجل مصلحته الشخصية، بل من أجل التقدم الاجتماعي.
ويرى اتكنسون " Atkinson" ان الفرد السوي يمتلك درجة اكبر من الفرد غير السوي في النقاط الآتية:
الادراك الفعال للواقع
معرفة الذات
القدرة على ممارسة السيطرة الارادية او الطوعية على السلوك
قبول الذات واحترامها
القدرة على تكوين علاقات ودية
الانتاجية.
خصائص السلوك السوي:
المرونة: اي مدى قدرة الفرد على ان يغير من اسلوبه بغية الوصول الى الهدف المنشود.
الواقعية: بمعنى ان الشخص يقدر امكانياته حق تقديرها ، فلا يضع طموحات عالية لا تتناسب مع مؤهلاته العقلية وانما يكون واقعياً.
التناسب: التناسب يتعلق بالنواحي الانفعالية والوجدانية، بمعنى ان التعبير عن الفرح والسرور يتناسب او يتلاءم معه واقع الحدث الموجود بدون مبالغة اكثر من اللازم وكذلك الامر بالنسبة للأحداث المحزنة.
التوجه الصحيح: اي التوجه المباشر نحو الموضوع والمشكلات التي نريد لها حلا وبدون مقدمات مفرطة بحيث ينسينا حل المشكلة.
التصرف بتلقائية: اي ان الفرد عليه ان يتصرف ويسلك سلوكا تلقائيا وبدون تصنع وان الشخص السوي هو الذي يمارس سلوكا تلقائيا في حياته.
الاستقلالية الذاتية: بمعنى ان الانسان السوي قادرا على ان يعبر عن رأيه بشكل مستقل تجاه مختلف الاحداث والموضوعات والاشياء.
عدم التمتع بنمط سلوكي محدد: الفرد السوي هو ذلك الذي يتجدد في نمطية سلوكه تجاه الاحداث حسب الظروف الملائمة.
روح المرح: الشخص الذي يتمتع بالسواء لابد وان يتمتع بروح المرح ايضا.
طبيعة العلاقة: ان الشخص السوي يتمتع بقدر كاف من العلاقات مع الاخرين التي يميزها الحب العميق والاخلاص والصدق وعدم الاعتماد على المنافع والمصالح الشخصية الذاتية.
تحديد السلوك غير السوي
================
هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها الاستعانة في تحديد السلوك الشاذ (غير السوي) ومنها:
قصور النشاط المعرفي: كالإعاقة في القدرات العقلية مثل الاستدلال والادراك والانتباه والتذكر والاتصال، وتكون هذه الاعاقة شديدة يمكن وصف السلوك بانه غير سوي.
قصور السلوك الاجتماعي: بما انه هناك مجموعة من التقاليد الاجتماعية التي تنظم السلوك في كل مجتمع فانه حينما ينحرف السلوك بدرجة عالية عن مستويات تلك التقاليد فمن المحتمل ان يطلق عليه سلوك غير سوي.
قصور التحكم الذاتي: اي الانعدام التام للتحكم في السلوك .
الضيق: ان مشاعر عدم الارتياح كالقلق والغضب والحزن كلها انفعالات سوية، ولكن التعبير عن هذه الانفعالات بطريقة غير مناسبة تؤدي الى المعاناة بطريقة حادة وغير مألوفة يمكن النظر اليها بانها سلوكيات شاذة.
مناهج الصحة النفسية:
--------------هناك ثلاثة مناهج أساسية في الصحة النفسية :
1- المنهج الإنمائي Development: وهو منهج إنشائي يتضمن زيادة السعادة والكفاية والتوافق لدى الأسوياء والعاديين خلال فترة نموهم حتى يتحقق الوصول بهم إلى أعلى مستوى ممكن من الصحة النفسية. ويتحقق ذلك عن طريق دراسة إمكانيات وقدرات الأفراد والجماعات وتوجيهها التوجيه السليم ( نفسيا وتربويا ومهنيا ) ومن خلال رعاية مظاهر النمو جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا بما يضمن إتاحة الفرص أمام الافراد لنمو السوي تحقيقا للنضج والتوافق والصحة النفسية.
2- المنهج الوقائي Preventive : ويتضمن الوقاية من الوقوع في المشكلات والاضطرابات والأمراض النفسية . ويهتم بالأسوياء والأصحاء قبل اهتمامه بالمرضى ليقيهم من أسباب الأمراض النفسية بتعريفهم بها , ويرعى نموهم النفسي السوي ويهيئ الظروف التي تحقق الصحة النفسية .
ولهذا المنهج ثلاثة مستويات أولها محاولة منع حدوث المرض ثم محاولة تشخيصه قدر الإمكان في مرحلته الأولى وأخيرا محاولة تقليل أثر أعاقته ، إن الهدف الوقائي هو توظيف معرفتنا النفسية في الكشف عن الأشخاص الذين يعيشون في ضغوط وأزمات ومشكلات وصراعات وإحباطات ولكنهم لم ينحرفوا بعد وتقديم المساعدة والإرشاد إليهم، ويشير كل من ( أوكلي Oakley ) و( رو تر Rotter(1997 إلى أن الوقاية من المرض النفسي تتمثل بتحديد المشكلات النفسية – الاجتماعية أو الاضطرابات النفسيـة التي يكون الفرد قابلاً للتأثر بها ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتقليل من قابليته على التحسس والتأثر بها .
3- المنهج العلاجي Remedial : ويتضمن علاج المشكلات والاضطرابات والأمراض النفسية حتى العودة إلى حالة التوافق والصحة النفسية ويهتم هذا المنهج بنظريات المرض النفسي وأسبابه وتشخيصه وطرق علاجه وتوفير المعالجين والعيادات والمستشفيات النفسية.
مراحل الصحة النفسية :
----------------هناك عدة مراحل يمر بها الفرد للوصول الى الصحة النفسية أو عدمها هي:
مرحلة العوامل الممهدة: وهي العوامل التي ترشح الفرد للاضطراب وتكون بمثابة التربة الصالحة له وهي: العوامل الوراثية و خبرات الطفولة المبكرة.
مرحلة العوامل المعززة: وتتضمن الخبرات التي تتوسط بين الطفولة والكبر، كالآثار السيئة التي تتركها المدرسة والامتحانات وازمات الطفولة والمراهقة والاضطهاد الطويل والخلافات العائلية . والطموح المرتفع غير الواقعي قد يكون سببا في عدم الوصول الى الصحة النفسية أيضا.
مرحلة العوامل المباشرة: وهي العوامل التي تندلع في اعقابها اعراض الاضطراب، وهذه العوامل قد تكون جسمية كالإجهاد والضعف والمرض او قد تكون صدمات نفسية او تغيرات في حياة الفرد بصورة حادة ومفاجئة.
النظريات المفسرة للصحة النفسية:
====================
لقد فسرت نظريات علم النفس الصحة النفسية على وفق وجهات نظر منظريها، وكما يأتي:-
نظرية التحليل النفسي:
يعد سيجموند فرويد S.Freud مؤسس هذا المنظور، ويرى بأن الفرد الذي يتمتع بالصحة النفسية مرهونة بقوة الانا، فالانا وظيفتها الدفاع عن الشخصية والعمل على توافقها وحل الصراع بين رغبات الفرد والواقع أو بين الحاجات المتعارضة والعمل على حالة التوازن بين الهو التي تتطلب الاشباع وبين الانا الاعلى التي تعارض الاشباع إلا في ظل الاطار الاجتماعي المشروع، كما ان الشخص الذي يتمتع بالصحة النفسية هو القادر على ضبط غرائزه ودوافعه البدائية، وبالتالي فاذا فشل الانا في هذه الوظائف عندئذ يكون الفرد معرضاً لسوء التوافق مما يعني عدم تحقيق الصحة النفسية.
النظرية النفسية الاجتماعية:
يرى اصحاب هذه النظرية(يونك، ادلر، فروم، هورني، سوليفان، اريكسون) ان الاضطرابات النفسية مرتبطة اساساً بظروف الفرد الاجتماعية والاقتصادية وظروف عملية التنشئة الاجتماعية كالفقر والتفكك الاسري والتفاوت الحاد بين الطبقات الاجتماعية واهمال الطفل ورفضه واحساس الشخص بالغربة في مجتمعه وسوء العلاقات الاجتماعية والافتقار الى الحب والعمل والانتاجية وتحمل المسؤولية والشعور بالنقص والعلاقات البين- شخصية...الخ، كل ذلك له علاقة بتوافق الفرد وان عدم وجود هذا الامر سوف ينعكس سلباً على صحة الفرد النفسية.
النظرية السلوكية:
يرى رواد هذه المدرسة ومنهم(واطسن، بافلوف، سكنر) ان الصحة النفسية تمثل اكساب (تعلم) الفرد عادات مناسبة وفعالة تساعده على التعاون مع الاخرين في مواجهة المواقف التي تحتاج الى اتخاذ قرارات، فإذا فشل الفرد في اكساب سلوكات ناجحة وبخاصة سلوكات ضارة ومرفوضة ومعايشته للصراع النفسي وتعرضه لمثير يخلق لديه حالة الشك والخوف من المستقبل، سيكون ذلك الفرد مضطرباً نفسياً مما يؤدي ذلك الى سوء الصحة النفسية. ويرى بافلوف ان اضطراب الصحة النفسية ينشأ بسبب اخطاء في تاريخ التعلم الشرطي للفرد ، حيث ان نمو الشخصية وتطورها يعتمد على عمليات التمرين والتعود في الصغر والسلوك غير السوي ما هو إلا تعبير عن خطأ مزمن في عمليات الارتباط بين المثير والاستجابة. وكذلك يرى سكنر ان المهارات الاجتماعية وانماط السلوك المختلفة تنمو وتتطور بفعل عمليات التعزيز الذي يحدث اثناء عمليات التنشئة الاجتماعية وعندما لاتنمو تلك المهارات والانماط بسبب التعزيز غير الملائم فإن الفرد يستجيب الى المواقف الاجتماعية بطرق ووسائل غير سليمة، مما ينعكس ذلك على صحته النفسية.
النظرية الانسانية:
ان الصحة النفسية وفق رأي اصحاب المدرسة الانسانية(ماسلوا، روجرز) هو تحقيق الفرد لإنسانيته تحقيقاً كاملاً، وهذا لا يأتي الا بممارسة حريته ويكون قادراً على التعاطف مع الاخرين، وان يلتزم الفرد بقيم عليا كالحق والخير والجمال وان يشبع حاجاته الفسيولوجية والنفسية اشباعاً متزناً. ويؤكد روجرز على ان الفرد اذا تلقى تقديرا ايجابياً مستمراً وغير مشرط تكون لديه شخصية سليمة ويشعر بصحة نفسية. وبصورة عامة فإن النظرية الانسانية ترى ان التوافق يمكن تفسيره على وفق اتجاهات النمو عند الافراد وان التوافق السوي عملية مستمرة طوال الحياة ترجع الى ما يسمى بتحقيق الذات.
5 . النظرية المعرفية:
يؤكد اصحاب هذه النظرية( بيك، كيلي، ميكنبوم) على ان التوافق النفسي والصحة النفسية تتوقف على الطريقة التي يفسر فيها الشخص الحوادث في البيئة وكيف يقيم هذه الحوادث، وان الفرد الذي لديه مهارات مناسبة في حل المشكلات ويفسر الخبرات بطريقة صحيحة هو ذلك الفرد الذي يتمكن من المحافظة على صحته النفسية،اما الفرد غير المتمتع بالصحة النفسية هو الذي يشعر بالعجز عن الاستجابة بفعالية لمطالب البيئة، ويرى بيك ان سبب الاكتئاب هو اسلوب الشخص في التفكير ، فالمكتئب هو شخص متشائم يعاني من تحيز ادراكي نحو الابعاد السلبية في الخبرات. ويرى كيلي ان الانسان عالم بالفطرة حيث يقوم بملاحظة الاحداث وصياغة الفروض حول ما يلاحظه محاولاً الوصول الى التوافق والصحة النفسية، ويرى ان المعارف الحالية تحتاج الى التعديل والتحسين ، لأن الاحداث والاشخاص يتغيرون مع الزمن لذلك يجب ان تتوفر معارف بديله دائماً، وان الفرد يشعر بالتوتر حينما يكون نظامه لا يفسر كافة البيانات المتوفرة، كما يرى ميكنبوم ان الشخص المتمتع بالصحة النفسية هو الذي لديه عمليات تفكيرية تأملية متتابعة تتضمن تفاعل الحديث الداخلي مع التراكيب المعرفية والسلوكات ثم النتائج التي تحدث من هذا التفاعل الكلي، فإن حصل هذا التفاعل بطريقة سليمة فيعد مؤشرا على تمتع ذلك الفرد بالصحة النفسية.
6. النظرية الوجودية :
يؤكد اصحاب النظرية الوجودية(كيركجور، سارتر، فرانكل) على دارسة جوهر الفرد ، وركزوا بشكل مباشر على الخبرات الشخصية ، وطرح نمطا أساسيا للأشخاص هو نمط الشخص الأصيل (Authentic) الذي يدرك في سلوكه تماما الافتراضات الوجودية المتعلقة بطبيعة الإنسان. ومثل هذا الشخص قادر على تغيير العلاقات السببية ونتائجها عن طريق حرية الإرادة واختبار المعنى وخلق المعنى والهدف ويرى المنظور الوجودي أن الصحة النفسية تتمثل في الاتي:
1- أن يدرك الإنسان معنى وجوده .
2- أن يدرك إمكاناته وقدراته .
3- أن يكون حراً في تحقيق ما يريد وبالأسلوب الذي يختاره .
4- أن يدرك جوانب ضعفه ويتقبلها.
5- أن يدرك طبيعة الحياة وتناقضاتها.
6-ان يدرك له ماضِ وحاضر ومستقبل والحياة لها بداية ونهاية
فإذا فشل الفرد في إدراك ما سبق فذلك يعني الاضطراب النفسي والصحة النفسية السيئة . ويعتقد الوجوديون أن الإنسان قادر على اختيار سلوكه في أي وقت وأن الراشدين يتحملون مسؤولية أفعالهم وقراراتهم ويحاولون تجاوز المعوقات والضغوط الاجتماعية ، ويعون الضغوط الخارجية المفروضة على أفعالهم ، ويختارون الاستسلام لها ومعارضتها، والنتيجة هم الذين يصنعون أنفسهم .