بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة الثالثة
مصطلح فلسفة التاريخإن الفلسفة في مدلولها العلمي العام تعني الاسترشاد بنظرة علمية صحيحة إلى العالم تمثل مجمل المفاهيم العامة عن الحياة في إبعادها الشاملة أو ظواهرها وأحداثها كلا على حده كما تبدو من خلال نظرة واحدة أحيانا وهكذا فان الفلسفة تسهم إسهاما حقيقياً في تنمية فكرة البحث وتوسيع آفاق دائرة العقل .وكلمة الفلسفة المنقولة عن اللغة اليونانية دالة في معناها على هذا التقويم فالكلمة تعني(حب الحكمة) والحكمة هي المعرفة باسمي غاياتها وهي كما القوة النظرية في إدراك حقائق الموجودات وأحكامها على ماهية عليه وغايته حصول الانتقاد اليقيني بحالها وقديما قال حكماء اليونان أن المعرفة شجرة صلبها الفلسفة وفروعها العلوم المختلفة.أما فلسفة التاريخ فتعني دراسة التاريخ دراسة عقلية ناقدة ترفض الخرافات وتنقح التاريخ من الأساطير والمبالغات وكل رواية غير مقبولة لدى العقل أو محتملة الشك.إن فلسفة التاريخ لا تعني أن تكون دراسة التاريخ أكواما مترامية من المعارك الحربية أو المعاهدات السياسية دون معنى مفهوم أو حكمة بادية وتهدف إلى تنقيح التاريخ بما يمكن تسميته بالتاريخ النقدي وصولا إلى تعديل طبيعة الدراسة التاريخية من التاريخ السياسي والعسكري إلى فلسفة الحضارة ومهمة التاريخ النقدي أن يحرر الفكر الإنساني من العبودية والخرافة من اجل نشر الحرية وتنوير والعقل ومهمة فلسفة الحضارة أن تتسع دراسة التاريخ لما هو أهم من أخبار المعارك وسير الملوك وأحداث البلاد وهذه فلسفة التاريخ من وجهة نظر فولتير.أما فسلفة التاريخ لدى ابن خلدون فهي التمييز بين الظاهر والباطن في التاريخ لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بان يعد في علومها وخليق.
أسباب نشوء فلسفة التاريخ:
تسعى لفهم التاريخ ودراسته على وفق مناهج البحث العلمي وقد ظهرت ابعادها الواضحة منذ القرن الثامن عشر الميلادي.
تبحث في الوقائع التاريخية بنظره فلسفية وتسعى لاكتشاف العوامل الأساسية التي تؤثر في سير الوقائع التاريخية.
تعمل على استنباط القوانين العامة التي تتطور بموجبها الأمم والدول على مر القرون والاجيال.سمات فلسفة التاريخ:ان فلسفة التاريخ في تفسيرها للحوادث التاريخية وصياغتها نظريات متعددة في حركة التاريخ تعتمد على جمله من العوامل تميزها من بقية العلوم الأخرى واهمها:1. الكلية: ( تفصيلها ص66). العلية: (تفصيلها ص66)3. الغاية والنظريه المستقبلية: (تفصيلها ص66)
العلاقة بين التاريخ والفلسفة: تتمثل هذه العلاقة في عدة نقاط هي
: أ. تعالج الفلسفة بعض القصور في التاريخ كالإغراق في الأحداث والإسراف في الارتباط بالماضي، فتربط فلسفة التاريخ الإنسان بالحاضر ولا تدعه يغوص في الماضي.
ب. تعالج الفلسفة عيباً في بعض المؤرخين يتمثل في الإغراق في أحداث تاريخية لا حصر لها، فتحول الفلسفة هذه الأحداث إلى نسيج مترابط دون الدخول في تفصيلات.
ج. أيضاً تعالج قصوراً في الفلسفة يعاني منه الفلاسفة، وهو قلق يرجع إلى رغبة في الوصول إلى الحقيقة التي يلتمسوها من واقعية التاريخ.
د. تلبي للإنسان حاجة ضرورية، فهو كلما قلق في حاضره على مستقبله لجأ إلى الماضي، أي محاولة تفسير الماضي أو التاريخ. وذلك مثلما فعل أوغسطين بوضع نظرية العناية الإلهية.
هـ. يقال إن كل من الفلسفة والتاريخ يعالج قصوراً في الآخر؛ فالتاريخ يشد الفلسفة حتى لا تحلق بعيداً عن الواقع، بينما ترتفع الفلسفة بالتاريخ حتى لا يغوص في الماضي بإسراف. كما أن التاريخ يلتمس الحكمة من الفلسفة بينما تلتمس الفلسفة منه الواقعية.
تطور التدوين التاريخي ومساهمات العرب المسلمين:يطلق مصطلح تدوين التاريخ على عملية إعادة البناء التصويري للماضي من واقع الحقائق المستخلصة بالطريقة التاريخية وقد جرت عملية تدوين التاريخ بمراحل متعددة يمكن إيضاحها حسب تسلسل الحقب التاريخية الآتي:أولا التدوين في العصور القديمة : وهو يشمل التدوين لدى سكان وادي الرافدين ووادي النيل والتدوين عند اليونان والرومان وسوف نأتي على ذكر كل واحده بالتفصيل وبالشكل الآتي.1. التدوين لدى سكان وادي الرافدين ووادي النيل من اسبق الشعوب إلى اختراع الكتابة وتسجيل الأحداث في صور رموز حفرت على الحجر أو الفخار أو نقشت على البردي ففي الألف الثاني قبل الميلاد اكتشف الفينيقيون الحروف الهجائية ثم انتشرت هذه الحروف من بلاد الشام إلى أنحاء العالم كله .إن الغرض الرئيس من اختراع أساليب الكتابة هو تسجيل الأشياء الجليلة التي لا تقتصر أهميتها على الأفراد الذين يقومون بتدوينها وهكذا كانت أولى الوثائق المكتوبة عبارة عن حسابات وعقود ثم دونت النصوص الدينية والشرائع فالنصوص العلمية ثم المواثيق والمعاهدات. وكانت هذه الوثائق رسوما مقدسة وسجلات بالأعمال ومسلات تخلد الوقائع الكبرى كما يمكن أن ننظر إلى الوثائق المتعلقة بإثبات الملوك بوصفها من أقدم أشكال التدوين التي يظهر فيها أيضا وضوح القصد التاريخي وان حفظ المعابد لهذه الوثائق ان دل على شيء فإنما يدل على أهمية الوقائع التي تنظمها مما حذا بأصحاب العلاقة ان يودعونها في تلك المعابد كي لا تطالها الأيادي وهي إشارة واضحة إلى دور رجال الدين في عملية التدوين.وقد اقتصر التدوين وقتذاك على الوقائع المهمة وتأثر بوجهة نظر الكاتب وانحيازه فتعكس لنا الألواح والرقم الطينية الحوادث والمعارك الكبرى التي خاضها العراقيون القدماء أو المصريون والتدوين آنذاك على الرغم من امتزاجه بالقصص المختلفة والأساطير فانه يمثل مادة حيوية لإعادة البناء التصوري للحضارات القديمة.ويعد التقويم اتجاها جديدا في التدوين التاريخي في العصور القديمة فالسنوات الزاخرة بالأحداث المستحقة للتدوين ترافق في الغالب عهود الحكام العظام وبالتالي فهي معاصرة لهم والحكام معاصرون لها. وفيما بعد أصبحت الطريقة المتبعة في التقويم هي نسبة السنة إلى ابرز حدث وقع فيها من قبل بناء معبد أو حصول واقعة حربية مهمة على أن التطور الاقتصادي قاد بشكل منطقي إلى اعتماد تقويم ينطوي على رؤية مفهومة للسنوات والأشهر من اجل تلبية مصالح أطراف المعاملات الاقتصادية وبخاصة تلك التي تتعلق بإيفاء الديون والإيجارات واستيفاء فوائد القروض، كما اعتبر التقويم الكلداني الذي اعتبر وصول الملك نابونهيد (747 ق.م) أساسا في تقويم الأحداث التي توالت أو تعاقبت.2. التدوين التاريخي عند الإغريق (اليونان):لقد جاء تدوين الإغريق لأحداثهم في ضوء ما تولد من قناعة بتحزب الآلهة للإنسان وبالتالي مسؤولية هذا الإنسان عن مصيره أي إن الإنسان هو صانع تاريخه ولأنه كذلك فلا بد أن تستوحي العبر من هذه الاحداث او في اقله ان تكون بمثابة حافزا لمن سياتي من اقوام على التوثب والالهام وبرزت الابعاد العلمية لهذا التدوين من خلال ثلاثة اعمال لمؤرخين اغريق هم (هيرودتس) رائد اسلوب استقصاء الحقيقة التاريخية عن طريق التجوال والترحال،(وتوسيديدس) اول من فصل احداث التاريخ في تدوينها عن القصة وبوليب رائد استقصاء خليفة الاحداث وربطها بمجريات الحدث ونتائجه.3. التدوين التاريخي عن الرومان:ورث الرومان الشكل الملحمي عن الاغريق في تدوينهم للتاريخ معتمدين في ذلك اسلوب الحوليات التي بدورها اعتمدت السجلات الرسمية التي تعني بها مؤسسات الدينية مصدراً رئيسياً لها فتناولت ذكر الوقائع التي كشفت عن انتصارات وهزائم الرومان فضلا عن اشارتها لتعاقب الحكام والاحداث الاخرى.وامتاز التدوين في هذه المرحلة من تاريخ الرومان بلجوء هؤلاء إلى استثمار التاريخ تربوياً لغرض الاهداف السياسية مع اعتمادهم المؤثرات البلاغية مما ادىى االى ترك ملامح ضعف في رواياتهم التاريخية .ثانياً: التدوين في العصور الوسطى:بحلول القرن الخامس الميلادي تكون الديانة الوثنية قد زالت من كلا المجتمعين الاغريقي والروماني لتحل محلها الثقافة والديانة المسيحية وكانت قد اشتقت مادتها التاريخية من كتاب التوراة.ويعد القديس اوغسطين (430-354 ق.م) من اهم من اضطلع بمهمة كتابة التاريخ للديانة المسيحية فقد كانت الظروف السياسية مهيئة لظهور نظرية تدافع عن المسيحية اذا كانت الامبراطورية الرومانية على وشك السقوط وكانت الفكرة الشائعة ان انحلال هذه الدولة يرجع إلى انتشار المسيحية باعتبارها قد اضعفت من ديانة الدولة المسيحية والهة الرومان وكان هذا الامر مسوغاً لاوغسطين ليدافع عن الديانة المسيحية باعتبارها تمثل المثل العليا للدولة او بالاحرى مدينة الله (تعالى) على الارض فذكر ان الشر كان قد دخل هذا العالم بمعصية ادم وكما في الانسان نزعتين (خير وشر) ففي المجتمع مدينتان المدينة الارضية او مدينة الشيطان والمدينة السماوية او مدينة الله فتعمل الاولى على نشر الظلم وتجاهد الثانية في سبيل العدالة ولقد كانت مدينة الله مختلطة لمدينة الشيطان حتى ظهور نبي الله ابراهيم (عليه السلام) فتميزت المدينة السماوية واصبحت في بني اسرائيل والمدينة الارضية في سائر الحضارات والتي بلغت ندوتها عند الحضارة الرومانية ولكن مع انفصالها وتباينهما كانا يتقدمان معا ويمهدان لظهور السيد المسيح(عليه السلام) فمهد بنوا اسرائيل له روحيا ومهدت الحضارات القديمة له سياسيا وفقاً لتدبير العناية الالهية وقد انتهى التمايز مابين المدينتين بظهور المسيح ومن ثم يجب ان تتم الوحدة بين الجانب الروحي ممثلا في الدولة واما كانت هذه الدولة مصممة على تحقيق الخير المادي والدنيوي فبات خضوع الدولة للكنيسة امراص ملزما فاعترضوا بان تعاليم المسيحية تخالف توجهات الدولة ليرد اوغسطين على هؤلاء بادلة تاريخية كان يبغي من ورائها ان تكون الدولة دينية بل ان تسيطر الكنيسة على الدولة من اجل تحقيق السعادتين سعادة الدنيا وسعادة الاخرى .ثالثاً: التدوين التاريخي في القرن الثامن عشر :كان لظهور مبدأ (الشك مبدأ اليقين) لديكارت (1596-1650م) تاثير بالغ الاهمية على مختلف حقول المعرفة ليدخل معها المجتمع الاوربي إلى عصر العقل والتنوير خلال القرن الثامن عشر فقد ارسى ديكارت اسس شكل اخر في الانتقال نحو الفكر الحديث ان صفة عمله المجدد يجعل من حق صاحبه ان ينال حق (اب) الفلسفة الحديثة وذلك انه كان يبين ضرورة الشك المذهبي في مقابل القبول السريع في تصديق الافكار الاتية من الماضي وهو بتطبيقه لهذه الطريقة قد توصل إلى النتيجة الاولى وهي ان الشك لايمكنه ان يضع نفسه موضع الشك من نفسه (انا افكر اذا انا موجود).لقد شاعت المدرسة العقلية بمنهجها (الشك مبداً اليقين) لتضع طروحات تاريخية خطيرة مفادها ان التوراة كتاب تاريخي واعتبار العهد العهد الروماني مجرد اساطير وهذا الامر ادى فيما ادى اليه ان تحدث حركة لاعادة كتابة التاريخ وتمحيص احداثه.اما موفتسكيو واحد من رواد عصر الانوار فقد حاول في كتاباته تاكيد الملكية الدستورية باعتقاده الامثلة التاريخية اذ تبين له ان الدولة الاستبدادبة يحكمها مبداً الاعتدال في حين ان الدولة اليدمقارطية يحكمها مبدا الفضيلة والروح العامة.اما ديفد هيوم (17111-1776م) وهو من رواد الانوار في انكلترا فقد تمسك ومن خلال مؤلفاته بالراي الاستنتاجي العملي للتاريخ.وعلى الرغم من التشابه الشديد في منطلقات فولتير وديفد هيوم فان الاخير لم يبلغ مستوى فولتير في استيعاب المصادر التاريخية مبررا ذلك بان التاريخ هو عبارة عن مجموعة حقائق وتزداد باستمرار دون توقف ومن اجل وضوح حقائق هذا التاريخ ينبغي اختصار احداثه ودراستها دراسة مركزة وعدم الشطط في فهم ــــ.اما حركة التدوين في المانيا في عصر الانوار فقد تاثر التدوين في المانيا بافكار عديدة عن المؤرخين الالمان من امثال (ويليام ليبتز) الذي عهد إلى استخدام الروح العلمية والفلسفية والمنهج التاريخي والتامل الفلسفي في معنى التاريخ ويرى بضرورة التزام المؤرخ بدراسة نفسية من ين قل عنه الروايات ليتبين مدى صحتها بوصف شخصية الراوي لتعكس صدقه من عدمه والواضح ان افكار ليبتز كانت مؤثرة لدرجة ان كانت قد تاثر بها لتغدو من ثم ذا اهمية بالغة في مجال كتاباته للتاريخ.اما جاكوب ماسكو فقد اصدر كتابه (تاريخ المانيا القديم) فجاءت لغته الالمانية برم هاكان قد اصاب المانيا من تجزئة وذلك لابقاء وتقويم هذه اللغة بغية ان تصبح قادرة على احتواء ثقافة العصر واداء رسالة انبعاث القومية في المانيا الحديثة.في حيت حظيت كتابات (جستن ماوزر) عن دوقية اوزنابروك باهتمام واضح حيث عدت تاريخاً للثقافة دونها السياسية فجاءت كتابته من وجهة نظر المانيا وليس من وجهة نظر دوقية صغيرة اما منهجية التاريخي فقد تكيز باستخدام التفكيير المعاكس الذي يعتمد الشواهد الحضارية لتقويم الماضي.ومن الملاحظ في التنوير الالماني انه جاء مختلفا عما عليه في فرنسا فقد كان ثورة على العقلانية يؤكد على الوجدان وعلى صيرورة الفكر بالقيم العالية الخالدة في الوقت الذي اعتمد فيه التنوير في فرنسا على العقلانية ومذهب المنفعة والتبشير بالالحاد.رابعاً التدوين التاريخي لدى العرب المسلمين:مر التدوين عند المسلمين بمراحل عديدة فغالبية المجتمع العربي ماعدا اليمن والحجاز معنيا بمعرفة الروابط التاريخية التي تربطها القبائل الاخرى وقد انتقلت التقاليد التقاليد القبلية من جيل إلى جيل بالمشافهة لان العربي في هذا العصر لم يتعد دور انشاء وهو نوع من الانشاء الشفهي او التعبير الفني الذي يسند فيه الخطيب او المنشد إلى عناصر حسية ــــ في الاذهان معتمدا على ذاكرته ثم على تاثير الحاضرين ودونت هذه التقاليد في وقت متاخر ومع هذا فهي المنبع الرئيسي لمعلوماتنا عند العرب قبل الاسلام.لقد كانت دراسة الشعر العربي القديم من بين المحاولات التي اتخذت لتدوين حوادث التاريخ ولايعني ذلك ان الشاعر كان ينشد شعره ليسجل احداث التاريخ وانما قصائد الشاعر هي عبارة عن مضامين تاريخية لمواضيع عدة ولم تكن تواريخ تبحث عن الحوادث بشكل مفصل ومع ذلك فان الشعر العربي يعد مصدر مهم للعصر الجاهلي والاموي وقد التفت ابن خلدون إلى اهمية الشعر ودوره في احتواء المادة التاريخية بقوله (اعلم ان الشعر كان ديوانا للعرب فيه علومهم واخبارهم وحكمهم) واورد ابن هاشم طائفة كبيرة من الشعر في كتابه (السيرة) سجلت حوادث في الجاهلية والاسلام برغم اعتراض بعض المؤرخين على صحة جمع الشعر الذي اورده.وسجل الطبري في تاريخه وكذا ابن عبد ربه في العقد الفريد والجاحظ في البيان والتبين.شعرا تضمنت حوادث تاريخية مهمة وبسبب قلة المدونات التاريخية عن هذه الفترة الجاهلية فضلا عن عدم اظهارها بذي قيمة تاريخية رغبة في اظهار هؤلاء المؤرخين للاسلام بانه يمثل القيمة التاريخية الاسمى فقد غدا الصحيح من الشعر الجاهلي افضل مصدر عن الجاهلية.اما ايام العرب فهي لاتقل اهمية عن الشعر كمصدر لتاريخ العرب في تلك المرحلة والايام عبارة عن قصص يرويها العرب عن غاراتهم وحروبهم قبل الاسلام اذ نقلت تلك القصص من جيل إلى جيل بحيث اصبحت جزءا من تاريخ القبائل الثقافي وجمعت ودونت في القرن الثاني للهجرة وكان لغموض المعلومات وندرتها عن الماضي العربي في الجاهلية اثر في اهتمام الرواة بالقصص انفة الذكر فجمع هؤلاء هذه القصص ونشروها كجزء من شروح ايضاحات الشعر العربي القديم برغم ماظهر من اختلاف في مضمون بين الشعر الذي اورده الشاعر وبين ماتحتويه القصة التي تدور حول يوم من ايام العرب وكان كتاب العقيد الفريد لابن عبد ربه حافلا بمثل هذه الايام وحازت النقوش والكتابات باهمية واضحة في تدوين تاريخ العرب قبل الاسلام . اما النقوش فتعد وثائق ذات شان بوصفها شاهد ناطق حي.وعلى الرغم من كون الدراسات المشار اليها كانت من عمل المحدثين وانها مقتصرة بالدرجة الاولى على دراسة الحديث فانها كانت ذات علاقة وثيقة بالترايخ بوصف دراسة المتن والاسناد تتعلق من صميم التعديل والتجريح كما اهتموا بالمرويات وعدوا كل نقص فيها بموجب ضعف الحديث.وعن بداية التدوين التاريخي المنظم عند المسلمين فان اهل السيرة والاخبار كانوا قد رسموا اواخر القرن الثاني الابواب الاساسية للتاريخ عند العرب بحيث لاتعدو امورا اربع:1. اخبار الماضيين2. احوال العرب قبل الاسلام3. السيرة والمغازي4. اخبار الدولة الاسلامية – في حين حصلت زيادة جوهرية في المادة التاريخية وتدقيق في مصادرها منذ اوائل القرن الثالث إلى اوائل القرن الرابع فقد استقرت دوواين الدولة العباسية وتمهدت قواعدها وتمكن المنشغلون بالتاريخ من الاستفادة مما هيأته هذه الحقبة من وثائق تاريخية تمثلت بالعهود الرسمية والمراسلات السياسية فضلا عن ذلك فان هذه الحقبة كانت قد شهدت نشاطاً متميزا في حركة النقل إلى اللغات الاجنبية وماكان يعنيه هذا من تاثير باقي البلدان بالحضارة العربية الاسلامية والاخذ عنها .وقد حدد مؤرخي القرن الثالث مصادر التاريخ عند العرب بمايلي:كتب السيرة والكتب المنقولة والسجلات الرسمية فضلا عن المشاهدة والمشافهة ومن هؤلاء المؤرخين ابن قتيبة الدينوري واليعقوبي والمسعودي الذي وضع كتابه مروج الذهب من حيث انتهى الطبري وبظهور ابن خلدون ومقدمته الشهيرة برز مفهوم جديد للتاريخ حمل نظرة فلسفية واجتماعية حينما اقرا ان هذا التاريخ لايتصف بالجمود والثبات بل هو عملية نامية متطور ملئية بالحركة اشتركت فيها وحدتان اجتماعيان رئيسيا هما البدو والحضر .