المحاضرة السادسة : الكتابة والحجابة في الدولة العربية الاسلامية اولا : الكتابة
جاء تطور المؤسسات في الدولة العربية الاسلامية تبعا لتوسع الدولة وحاجة المجتمع العربي الاسلامي الى ذلك ، اذ تولدت حاجة الدولة الى ايجاد الوظائف والمؤسسات ومن بين تلك الوظائف التي تطورت تطورا تدريجيا وظيفة الكتابة .
ومن الجدير بالقول ان وظيفة الكاتب ظهرت منذ ايام النبي (ص) بعد تأسيس دولته المباركة في المدينة المنورة . اذ ذكر المؤرخون جملة من الصحابة ممن كتبوا بين ين يديه ( ص ) وممن كتب بين يدية امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) ، وعثمان بن عفان ، وزيد بن ثابت وغيرهم اذ كتبوا سور القرآن ، والرسائل التي خاطب بها الملوك يدعوهم فيها الى الاسلام فضلا عن الاتفاقيات كصلح الحديبية والمواثيق بينه (ص) وبين القبائل وبعض الاشخاص .
واستمرت وظيفة الكتابة بعد عصر النبوة اذ جاء ان عثمان بن عفان كان كاتبا لابي بكر يكتب بين يديه للعمال والقادة .
وبعد ان توسعت الدولة في عهد عمر بن الخطاب وتعقدت ادارتها تولدت الحاجة الى تطور هذا النظام لاسيما بعد تدوين الدواوين في الامصار الاسلامية الامر الذي دفع عمر الى ان يعين لكل ولاية كاتب يكتب في ديوانها وباشراف والي والمصر نفسه ,
اما في عهد عثمان بن عفان فكان لديه مجموعة من الكتاب ولعل في مقدمتهم كاتبه في المدينة عبد الملك بن مروان فضلا عن ابي جبيرة الانصاري الذي كان كاتبا في الكوفة وغيرهم.
واستمر هذا الامر في خلافة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) الذي لم يدخر وسعا في توجيه من يقوم بهذه المهمة اذ جاء انه اوصى كاتبة عبد الله بن ابي رافع بجملة وصايا لتحسين اداء عمله منها قولة (ع) : (( يا عبد الله ألق دواتك ، واطل شبا قلمك ، وفرج بين السطور وقرمط بين الحروف )) .
اما في العصر الاموي فقد اوجد معاوية بن ابي سفيان طائفة من الكتاب اذ جعل كاتبا للخراج وآخر للرسائل ، وثالث للجند ، ورابع على ديوان الخاتم ، فضلا عن كتاب للقضاء والشرط والمظالم وغيرها .
واشار الجهشياري الى ان الحكام كانوا يقدمون الكتاب وممن عرف بصناعة الكتابة لكونه الالسنة الناطقة عن الملوك وخزان اموالهم وامناؤهم على رعيتهم وبلادهم .
وعد العصر العباسي نقطة تحول في نظام الكتابة اذ اشترطوا في الكاتب ان يكون ذا علم واسع وثقافة وذلك لانه يقوم بتحرير الرسائل الرسمية والسياسية داخل الدولة وخارجها ويتولى المراسيم والبلاغات والترتيبات الادارية .
ثانيا : الحجابة
لم تعرف وظيفة الحجابة في الدولة العربية الاسلامية في عصر النبوة ، ولا في عصرالحكام الذين تولوا ادارة شؤون الدولة من بعده ، وتكاد تتفق المصادر التاريخية ان اول حاكم اوجد هذه الوظيفة هو ، معاوية بن ابي سفيان عند توليه السلطة بعد قيام الدولة الاموية .وعرف ابن خلدون الحجابة بانها : (( وظيفة مخصوصة في الدولتين الاموية والعباسية بمن يحجب السلطان او الحاكم عن عامة الناس ويغلق بابه دونهم ، او يفتحه لهم على قدره في مراقبته )) .
ومما لاشك فيه ، ان مفهوم الحجابة لم يكن واحدا في المشرق والمغرب والاندلس ، ففي بغداد والعراق والمشرق كان يقوم مقام مدير التشريفات او مدير المكتب في الوقت الحاضر . بينما تمتع في الاندلس بسلطات واسعة تشابه سلطات الوزارة ، وربما اطلقوا عليه لقب ذي الوزارتين لجمعه خطتي السيف والقلم ومنهم من تولى مهام ادارة الدولة في بعض حقب التاريخ الاندلسي .
وترسخت هذه الوظيفة في العصر العباسي ، اذ اورد المؤرخون قوائم متعددة بأسماء من تولى الحجابة حتى سقوط بغداد ونهاية الدولة العباسية .
ومن الجدير بالملاحظة ازدياد الحجاب في العصور العباسية المتأخرة اذ جاء انه في عهد الخليفة الناصر لدين الله كان هناك حاجب الديوان العزيز ، وحاجب الحجاب بالديوان العزيز ، فضلا عن حجاب لبعض المناطق كحاجب باب النوبي ببغداد .
ولم تقتصر الحجابة على الخلفاء ووزرائهم بل كان هناك حاجب للوالي وآخر للقاضي ، وثالث لصاحب الشرطة ، وهكذا الحال بالنسبة الى كل المسؤولين وكبار رجالات الدولة .