قسم التاريخ
المرحلة الثالثةالمادة : العراق الحديث
التاريخ : الأثنين 12/ 4/ 220
أ.م . د نهلة نعيم عبد العالي
العراق في عهد المماليك 1749- 1831
تميزعهد المماليك عما قبله وبعده بشدة التنافس والصراع على الحكم في العراق ، فقد كان الولاة قبل عهد المماليك يعينون بفرمان يصدر من السلطان في اسطنبول ، ومعنى هذا ان من يطمح الى الحكم في العراق يجب عليه ان يبذل جهده في اسطنبول ليحاول ارضاء السلطان اوحاشيته من اجل نيل الفرمان ، اما في عهد المماليك فقد تغير الامر اذ اصبح الفرمان السلطاني قليل الاثر في تعين الولاة ، وفي لعض الاحيان لم يكن له اثر على الاطلاق ،فأي مملوك عندما ينهي النزاع لصالحه ،يستطيع ان ينال الولاية في بغداد او ( الوزارة كما يسمونها ) ، اذا تمكن من التغلب على منافسيه بطريقة من الطرق وحيث يتم له ذلك يجتمع اعيان بغداد وعلمائها فيكتبون عريضة الى السلطان يسترحمون منه ان يصدر امراً لمنح الوزارة الى المملوك الغالب ، اذ ان نركز الثقل تحول من اسطنبول الى بغداد ، كما ان اعيان وعلماء بغداد لم يكن لهم تأثير في ذلك التعين ،فهم يجتمعون عندما يطلب منهم ذلك وهم مستعدون ان يوقعوا على اي عريضة يطلبها منهم المملوك الغالب وقد يلهجون بالدعاء له والثناء عليه .
اذا كان العراق في عهد المماليك في حالة يرثى لها لكثرة مشاكلهم فيما بينهم وكثرة الفضائع التي ارتكبوها وكان الأمن في عهدهم مفقودا والحرب الاهلية لم تنقطع لسوء تدبير هولاء المماليك .
لقد تدرج عدد من المماليك في الخدمة فأسندت لهم عدة وظائف المختلفة من المدنية والعسكرية ، وكان ممن هؤلاء المملوك سليمان الذي اعتقله الوالي احمد بن حسن حين اسندت اليه الولايه بعد ابيه وزوجه ابنته عادلة وعينه نائباً له ( كتخدا) .فبعد وفاة احمد باشا رفض المماليك الذين نصبهم السلطان العثماني محمود الاول ( 1730 – 1754) فتدهور الموقف في 1747-1748 فأضطر السلطان الى تنصيب سليمان باشا واليا على بغداد الذي عرف فيما بعد ب ( سليمان ياشا ابو ليلى ) وسمي بهذا الاسم لتخفيه في الليل وخروجه وكان شديد الوطأة على كل من يعبث بأمن البلد وخصوصا العشائر المتمردة ولا يراعي اي مبدأ او ذمة في ضري الخارجين عنه .
بعد وفاة سليمان ابو ليلى ظهر على الساحة متنافسان على ولاية بغداد واستطاع احدهما وعلي باشا ان يحصل على تفويض في حكم بغداد والبصرة ، اما عمر باشا فكان يحضىبتأيد من عادلة خاتون زوجة سليمان باشا ، وفي عام 1764 قوات عمر باشا من طرد علي باشا وتم اعدامه ووافق السلطان العثماني من تقليد السلطة الى عمر باشا وواده التهديدات الزندية (الفارسية ) وارسلت الحكومة خليفة عنر ، ولم يكن في اصله مملوكا فأستسلم دون مقاومة .وبسبب عجز القوات العثمانية من اخراج القوات الفارسية من البصرة اعيد الحكم الى المماليك بينما استطاعت قبائل المنتفك ان تستغل اي وهن او ضعف للقوات الفارسية وقد تمكن الشيخ ثامر السعدون شيخ المنتفك من اخراج القوات الفارسية من البصرة ، وقد ادى الى توغل القوات الفارسية اكثر في البصرة عام 1777، وقد تصدى لها رجال المنتفك ،وتم تحرير البصرة .
وفي اعقاب هذه الازمات اسندت ولاية بغداد الى الوالي المملوكي سليمان باشا واشتهر بالكبير لمجهوداته المضنية في تقوية حكم المماليك وفي مقاومة التمردات العشائرية العنيفة التي واجهته اثناء حكمه منذ ( 1780 -1802) ، ونظرا لأن الدولة العثمانية مشغولة خلال هذه المدة في مشكلاتها الداخلية مع الدول الاوربية لم تتدخل في العراق انذاك لاسيما وان سلسمان المملوكي كان مخلصا في ادارة الولاية ضمن اطار الدولة العثمانية ، وتغيرت سياسة الباب العالي ازاء المماليك في العراق بعد وفاة الوالي سليمان الكبير ، ويرجع ذلك التغير الى ان العراق اخذ يتأثر بوضوح بالتطورات السياسة الدولية في اسطنبول ،فأسند الحكم الى الى علي باشا الذي حكم من ( 1802-1807) واعقبه سليمان الصغير الذي امتد حكمه من ( 1808-1810) الذي استطاع ان يحصل على فرمان الولاية من السفير الفرنسي في اسطنبول المسيوسباستياني ولكن تدهور العلاقات بين الباب العالي ونابليون ادى الى عزل سليمان الصغير بمساعدة بعض المماليك والعشائر العربية والكوردية .وكان الباب العالي يرفض ان يسند الولاية الى العرب والكورد حتى لايستقلوا بالبلاد وفضل الباب العالي ان يرفع الباشوية الى احد المماليك وهو عبدالله باشا الذي حكم من ( 1810-1813) وكان تؤيده الامارة البابانية في كوردستان وحدث للمماليك مذ ذلك الوالي الانقسام في صفوفهم ،فعندما اراد سعيد باشا ان يتولى الحكم استعان بقسم من المماليك وعشائر المنتفك ، واستطاع بواسطة عشائر المنتفك ان يحقق اغراضه عام 1813 ، لكن اعتماد سعيد باشا على الشيوخ العرب مثل قاسم الشاوي شيخ العبيد وشيخ حمود الثامر شيخ قبائل المنتفك ، وادى اعتماده على هذه العشائر الى ان ينتفض المماليك عليه بقيادة داوود باشا . وكان من الطبيعي ان يستعين داوود باشا بالامارةالبابانية اقوى امارة في كوردستان في تحقيق اغراضه واستطاع بذلك الوصول الى الحكم عام 1817.
لقد نجح داوود باشا في اتباع سياسة تقليدية في ضرب العشائر واحدة باخرى وحاول ان يقنع العشائر بالكف عن حوادث القتل والتزام الهدوء واستمرت حوادث القتال ضد العشائر طيلة حكمه ، ولا شك ان حاجة المماليك الى قوات العشائر كانت عاملا رئيسيا في ان يستمر الشيوخ متمتعين في سيادة شبه مطلقة في عهد هذا الوالي . عندما كانت القوات المملوكية منقسمة على نفسها بين المطالبين في الحكم من زعماء المماليك ، لكنه نجح في الاخير في اخضاع هذه العشائر وابعاد الخطر الفارسي بنجاحه في عقد معاهدة ارضروم الاولى عام 1823 وقد اشتهر داوود باشا في اصلاحاته الشهيرة ، اذ كان يريد ان ينشأ دولة جديدة فأهتم بالعمارة في بغداد من مساجد وحدائق ومدارس واسواق وحفر الانهار فازدهرت الزراعة وزادت الموارد الاقتصادية وتطورت الحركة العلمية في بغداد .
ارسل السلطان محمود الثاني قوات يقودها علي رضا باشا اللاز والي حلب ضد حكومة بغداد وعلى الرغم من ثقة داوود باشا بالنصر ويعود لثقته بقواته الا ان التمنيات جاءت بالعكس اذ حب الوباء والطاعون والفيضان فجأة لكي يكون الجيش عرضة للهلاك اثر انتشار الطاعون بينهم .، وهكذا وجدت قوات علي باشا الطريق سالكا للدخول فاحتلت العراق دون مقاومة وقد عزل داوود باشا وارسل الى اسطنبول عام 1831 على الرغم من محاولات عدة لقتله في بغداد . وبعهده انتهى عهد المماليك في العراق ، وانتهت السياسة اللا مركزية العثمانية وبدات الدولة العثمانية بتعين الباشوات في بغداد ، وبعد مدة اعفي عنه وتولى ولاية البوسنة عام 1833 ورئاسة مجلس الشورى 1838وبعد مدة عين ولاية انقرة عام 1839ثم تولى مشيخة الحرمين عام 1845-1851وتوفي عام 1851 وقيل انه دفن في البقيع .