قسم التاريخ
المرحلة الثالثةالمادة : العراق الحديث
التاريخ : الأثنين 18/4/ 2020
أ.م . د نهلة نعيم عبد العالي
الهجمات الوهابية وانتشار التشيع في العراق في خلال العهد المملوكي :
الهجمات الوهابية
لابد من اعطاء نبذة مختصرة عن تاريخ ظهور الحركة الوهابية واثرها على الهجمات المختلفة التي قام بها اتباعها على العراق ، ففي عهد سليمان باشا الكبير استفحات هذه الحركة في نجد وتم لها احتلال الاحساء واخذت تهدد العراق تهديداً خطيراَ .
سميت الحركة الوهابية بهذا الأسم نسبة الى مؤسسها الشيخ محمد عبد الوهاب ويسمى اتباعها بالوهابيين مع ان الوهابيين انفسهم لايرتضون هذا الاسم لهم فهم يسمون انفسهم ب( الموحدين ) . وقد وقد جرينا في هذه المحاضرات على الاسم الشائع لهم وهو الأسم المستخدم في اكثر المصادر التاريخية . وقد ولد هذه الرجل في العينية من قرى نجد في عام 1703م ، وهو من قبيلة بني تميم الحضرية ، وكان ابوه قاضي في القرية فنشأ في بيئة دينية واتم دراسته في مكة والمدينة والبصرة . واقام في البصرة اربع سنوات وفي بغداد خمس سنوات وزار الموصل ودرس في مدارسها وتعلم على يد علمائها وزار دمشق وبلاد الشام وامضى في كردستان سنة كاملة ومنها انتقل الى ايران ومكث في همذان واصفهان فدرس التصوف ثم ذهب الى قم وبعدها عاد الى نجد حيث بدأ دعوته من هناك .
وقد ظهرت عليه اولى بوادر التجديد الديني عندما كان يدرس في المدينة ، حيث راى الناس يستغيثون بقبر النبي ويشفعونه في حاجاتهم ، فأنكر ذلك عليهم واعتبره أشراكا بالله ، وحين جاء الى البصرة وشاهد انهماك سكانها في الشفاعه والتوسل بالمراقد المقدسة اخذ ينتقدهم بعنف ، مما اثار استياء البعض منه فأخذوا يضايقونه ثم طردوه من البصرة وكاد يموت في الصحراء من العطش .
كان الشيخ يعتقد اعتقادا جازما ان مبدأ الشفاعة والتوسل بالقبور من الأمور المنافية لعقيدة التوحيد الأسلامية . فالله يقول في كتابه" وأذا سألك عني عبادي فأني اجيب دعوة الداعي اذا دعاني " ويقول كذلك " وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احداً " وفي القران ايات اخرى في مثل هذه المعنى تحث الناس على ان يكون توسلهم بالله ودعائهم له وحده . فلماذا يخالف المسلمون ماجاء في القران أذن ؟؟؟ لقد ملكت هذه الفكرة عقل الشيخ محمد حتى صار لايرى في الحياة سوى هدف واحد وهو ارجاع الناس الى الفطرة الأسلامية الاولى وهي عبادة الله وحده وترك الاضرحة . والواقع انه لم يكن اول من فكر بمثل هذه الفكرة ، فقد سبقه اليها ابن تيمية الذي عاش للمدة من 1263-1317 اي قبل خمسة قرون ، لكن الفرق بينهما هو ان ابن تيمية نادى بالفكرة في بيئة حضرية فلو ينجح ، بينما محمد بن عبدالوهاب في بيئة بدوية فنجح نجاحاَ عظيماً .
كان عمر الشيخ محمد بن عبدالوهاب عند رجوعه الى موطنه في نجد نحو 35-36سنة ليبدأ دعوته بجدال ابيه وقومه متخذاً من التوحيد منطلقاً له فأطلق عليه وعلى اصحابه اسم ( الموحدين )، في حين اطلق عليه خصومه والرحالة والدارسون اسم ( الوهابي) وعلى جماعته ب( الوهابين ) ، لهذه الأسباب بدأ محمد بن عبدالوهاب يحارب يحارب زيارة القبور والتبرك بالأولياء وطقوس المتصوفة .
تحالف محمد بن عبدالوهاب مع الامير محمد بن ال سعود وتعاهدا على ان يكونا يد واحدة على نشر الدعوة الجديدة بمكافحة خصومهما ، وكان ذلك ايذانا بتحول الدعوة من طورها السلمي الى طورها الحربي . وادخل في عقول اتباعه مبدأ الجهاد المقدس ، باعتباره اهم فروض الدينية وبهذا وضع اصبعه على النقطة الحساسة في المجتمع البدوي وهي الغزو والغنيمة ، فصارت القبائل تتهافت على الانضمام الى الحركة الجديدة ، وكانت كل نصر تناله الدعوة في غزواتها يزيد من عدد اتباعه ومن حماسهم لها . فبدأت تنتشر الحركة الوهابية بين قبائل نجد ومن يعارضها تشن الحرب ضده من قبل الرجلين ( الشيخ والمير ) وكل مدينة او قرية يدخلانها ينسران فيهل التعاليم الجديدة القائمة اساسا على مبدأين اساسين هما :
التوحيد اي الدعوة الى الله دون شريك والاعتماد على القرآ والسنة وآثار السلف والجهاد في سبيل نشر العقيدة ، اي اتباع ( التكفير والقتال ) وسيلة اساسية .
الأجتهاد اي تفسير ما يستعصي فهمه بشرط عد مخالفة ذلك لنصوص القرآن والسنة وآثار السلف الصالح والأئمة الأربعة ومحاربة النزوعات الاخرى من خلال الاجتماع على الأمامة .
ويعتقد كثير من الوهابيين بان الحركة الوهابية ماهي الا تعبير عملي عما كان ابن تيمية قد كتبه من انتقادات في كتابه المشهور " السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية " الذي دعا الى تنقية الاسلام من البدع والفوضى والتقاليد والطقوس .
توفي الامير محمد بن سعود عام 1765 فخلفه على الامارة ابنه الاكبر عبدالعزيز ( 1765-1803) ، وقد سار هذه على سيرة ابيه في التحالف والتعاون مع هذا الشيخ لنشر الفكر الجديد بالسيف ونال هذا انتصارات جديدة جعلته سيد الصحراء ، وكان لهذه الحركة اثرها في العراق ، فمنذ العام 1790 اخذ الخطر الوهابي يهدد العراق ، فقد ظهرت على الحدود من ناحية الصحراء جماعات وهابية وسمت ابلها بأشارات بارزة وهي تحمل رقاعات دينية غريبة وصارت تغزو الظفير والمنتفق والشامية ، وكذلك اخذ الدعاة الوهابية يتسللون الى العراق يحاولن نشر الفكر الجديد في اوساط العشائر والمدن ، فكانوا يرتادون مضايف الشيوخ في الفرات ليخطبوا فيها ويستغلوا العداء الموجود لدى العشائر ضد الحكومة العثمانية ووالي بغداد . وفي المدن بدأت الدعاية الوهابية تنتشر فتؤثر في بعض الأفراد ، لاسيما في رجال الدين السنين ، واخذ جدل يظهر بينهم فمنهم من وجدوا في الفكر الوهابي تنقية الأسلام من البدع المستحدثة وعودة الى سنة السلف الصالح فحبذوها ، ومنهم من وجد فيها انكاراً لفضل وكرامات الأولياء فشجبوها .
لقد كونت الامارات النجدية دولة اقطاعية كبيرة نسبيا ذات طابع ديني برئاسة اسرة ال سعود . وفي عام 1791 بعد وفاة مؤسس الوهابية محمد بن عبدالوهاب جمع الامراء السعوديون في ايديهم السلطتين الدينية والدنيوية .
ووردت الاخبار الى بغداد في العام 1796 ان الامير عبدالعزيز ال سعود استولى على منطقة الاحساء في العام 1793 التي تتاخم حدود العراق من الناحية الجنوبية واحتل القطيف والعقير حتى وصل ساحل الخليج العربي واشيع عنه انه عند احتلاله تلك المنطقة قتل نحو مائتين من العلماء فيها . ومن الجانب الاخر اخذ ابن سعود يهدد طريق الحج ، مما جعل شريف مكة غالب بن مساعد (1788-1813) يكتب الى السلطان العثماني سليم الثالث (1789-18079 يستغيث به فارس هذا الى والي بغداد سليمان باشا الكبير يأمره ان يسير بقواته لتأديب ( العصاة) . ويبدو ان الوالي سليمان باشا كان يوم ذاك قد انهكته الشيخوخة .فاضطر الوالي في عام 1797 ان يكلف ثويني شيخ المنتفق بعد ان صالحه وارضاه بالمسير لحرب الوهابيين وامر ان يلتحق به حملة البنادق من جند البصرة وهم البلوج مع خمس قطع من المدافع . وسار ثويني نحو الاحساء مه جمع من عشائر المنتفك وعقيل والظفير وبني خالد وغيرهم ، لكنه عند وصوله الى عين الشباك هجم عليه في خيمته عبد زنجي اسمه ( اطعيس ) فاغمد حربة في صدره وهو يهتف الله اكبر . لم يكن ينتشر خبر موت ثويني في جموع العشائر التي كانت معه حتى شاع فيها الذعر وتفرقت شذر مذر وانتهز الوهابيون الفرصة ، فانثالوا عليها يقتلون وينهبون ، فغنموا منها المدافع والقنابل كما غنموا شيئاً كبيراً من الغنم والبل والزاد والمتاع .
لقد فوجىء الوالي سليمان بفداحة هذه الضربة التي لم يكن ستوقعها ولعله كان يتوقع ان الحركة الوهابية امرها هين لايحتاج الى عناء لقمعها ثم تبين له انها اعظم ما كان يظن
لم تمض على تلك الهزيمة سوى اشهر معدودة حتى اغار سعود بن عبدالعزيز (1803-1814) على قرية ام العباس قرب سوق الشيوخ ، فقتل من سكانها عددا كبيراً ثم اغار بعدئذ على العين المعروفة بأسم ( الأبيض) قرب السماوة وكانت قد اجتمعت فيها عشائر عراقسة كشمر والظفير وال بعيج والزقاريط ، فداهمهم في بيوتهم وغنم اكثر مالديهم من ابل ومتاع ، كما قتل عدة رجال من فرسانهم كان منهم مطلق بن محمد الجربا شيخ شمر .
اهتم والي بغداد علي باشا بالامر فأعد حملة كبيرة بقيادة الكهية للزحف على الوهابيين ، وكانت حملة ضخمة حتى قيل انها تضم ثمانية عشر الف فرس وعشرة الآف بعسر ، الا انها فشلت في القضاء على الوهابيين ، فبعد مراسلات ومفاوضات وافق الفريقان على الصلح وعادت الحملة الى بغداد في تموز 1799 ، ولم يبث سوى اقامة المراسيم لتصديق شروط الصلح ،فارسل بن سعود ممثل له الى بغداد لتوقيع وثيقة الصلح . وهنا حدثت المهزلة التي ضحكت لها بغداد ، فقد زين السراي لاستقبال المبعوث ولبس الوالي ابهى ثيابه وزينت جدران السراي ووقف جنود الوالي بزيهم الرسمي الزاهي ن لكنهم فوجئوا بظهور رجل بدوي ذي اسمال يمشي بخطى سريعة ، وعندما لم يلتفت الى الباشوات الذين حضروا للأحتفال به بل تركهم جانبا وجلس القرفصاء بين يدي الوالي ثم قدم وريقة وسخة واخذ يخطب بلهجته النجدية حطابا جافا مهيناً.
لم يدم الصلح طويلاً بين الفريقين ، أذ لم يمض على توقيع وثيقة الصلح سوى مدة قصيرة حتى حدثت حادثة نسفته نسفاً . وخلاصة الحادثة كما يرويها المؤرخ ياسين العمري في كتابه (غرائب الأثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر ) ، وهي ان قافلة من اعراب نجد جاءت الى العراق بحراسة فرسان من اتباع ابن سعود وقد وصلت القافلة الى بغداد وباعت ما لديها واشترت ماتحتاج اليه ثم عادت وعند مرور القافلة بالنجف في طريق عودتها الى ديارها شاهد الوهابيين شيخ الخزاعل وهو يقبل عتبة المرقد العلوي ، فهجموا عليه وقتلوه ، وعند ذلك نشبت معركة دامية بين الوهابيين والخزاعلة دامت ثلاث ساعات ، قتل فهيا عدد كبير من الطرفين ونهبت اباعر الوهابيين وخيلهم ، وعندما علم ابن سعود بحادثة النجف ارسل الى والي بغداد يطلب منه ديات القتلى ويهدد بنقض العهد الذي بينهما . فأرسل اليه عبدالعزيز الشاوي ليفاوضه في الامر ويعلمه بأن القتلى كانوا من الطرفين ، وقد فشلت المفاوضات ونتيجة هذا الفشل اخذ الوهابيبن يظهرون في غرب الفرات ، واخذوا بالقيام بعمليات ارهابية كقطع الطرق والغارات على القرى والقتل والترويع ، وفي شهر ايار نهبوا قافلة كانت عائدة من الشام عام 1800 في عانة وقتلوا عددا من العانيين ، وفي رواية اخرى انهم اغاروا على بلدة عانة نفسها ونهبوا بعض بيوتها وقتلوا اربعين شخصاً من سكانها ، ثم اغاروا بعد ذلك على كبيسة ، لكن عشيرة العبيد قاتلتهم فولوا الأدبار .
لقد وصلت الاخبار من شيخ المنتفق حمود الثامر الى والي بغداد يعلمه بأن جيشاً وهابيا قادما نحو العراق يريد الانتقام لحادثة النجف . لم يكن الوالي في وضع يؤهله لمجابه الخطر ، فترك الامر للكهية علي باشا ، والظاهر ان هذا الكهية لم يكن متحمسا للأمر او راغباً فيه من اعماق قلبه فخرج من بغداد ، لكنه توقف في موقع الدورة زاعما انه ينتظر التحاق العشائر به وبينما كان على وشك السفر من هناك جاء الخبر بالكارثة الرهيبة التي انزلها الوهابين في كربلاء فسار الكهية بقواته مسرعا ن غير انه وصل البلدة بعد فوات الاوان .
اما فيما يتعلق بتفصيل واقعة كربلاء ، فقد حدث في يوم 21 نيسان 1802 وهو يوافق يوم 18 ذي الحجة 1216هـ وهذا اليوم كما هو معروف من اعياد الشيعة ويسمى عيد الغدير ، وقد دخل الوهابيون كربلاء وهم شاهرين سيوفهم يذبحون كل من يلقونه في طريقهم ولم يستثنوا من الشيوخ والنساء والاطفال .
اختلف المؤرخون في عدد القتلى في ذلك اليوم ، فقدره بعضهم بثمانية الآف بينما قدر ذلك اخرون باقل من ذلك ، وقد قتلوا عند ضريح الحسين ( عليه السلام ) خمسين الف شخصا وفي الصحن خمسمائة ، ونهبوا كل شيء وقع في ايديهم من الدور والحوانيت والمرقد المقدس ، واهم ما نهبوه هدايا الملوك من النفائس والتحف والاحجار الكريمة التي كانت مخزونة في ضريح الامام وحالوا قلع الصفائح الذهبية من عبى الجدران لكنهم لم يوفقوا ، وكانوا يتهمون حاكم المدينة عمر اغا بانه متواطأ مع الوهابين وقام لمكاتبتهم ولم يعنل شيئا لحماية المدينة وقد هرب الى قرية من قرى المدينة ولم يفعل شيئا لحمايتها وقد قتله سليمان باشا .
عندما ترك الوهابيون المدينة وهم فرحون بما قتلوا وغنموا وكانوا يقولون " لو لم نكن على حق لما انتصرنا " فتوجهوا بعد ذلك الى النجف بغية ان يفعلوا بها مثلما فعلوا في كربلاء لكنهم لم يوفقوا في ذلك ، اذ كان اهل النجف قد استعدوا لهم ودافعوا عن بلدتهم دفاعا مستميتا . وبعد ان انسحب الوهابيين من حول النجف اسرع اهالي النجف ونقلوا خزانة المرقد الى الكاظمية ، مخافة ان يعود الوهابية الى النجف وينهبوها كما فعلوا في كربلاء . وقد عاد الوهابيون الى النجف فعلاً ، لكن بعد خمس سنوات غير انهم لم يحظوا منها بطائل ، فانسحبوا خائبين كما في المرة الاولى .
وفي عام 1804 قاد ال سعود حملة نحو البصرة وفيه تهويل لما اصاب مدينة الزبير في هذه الحملة ، كما تجدد هجوم اخر على مدينة النجف عام 1810 وتكررت الحوادث على الفرات ومدنه وقراه ، وقد انعكست اثار الهجمات على حجم التشيع الذي اصاب المجتمع العراقي ، وسوف نوضح ذلك بصورة مختصرة .
انتشار التشيع في العراق
اما فيما يتعلق بانتشار التشيع في العراق ، فعلى الرغم من ان ظاهرة انتشار التشيع هذه لم تكن طبيعية ، اذا تعود جذور التشيع في العراق الى زمن فتحه ودخوله ضمن حدود الدولة الاسلامية ، ويعود الفضل في ذلك الى جيش الحجاز الذي ضم بعض من شيعة الامام علي عليه السلام امثال عمار بن ياسر ومسعود ، غير ان انتشار التشيع لم يأخذ حجمه الساحق ألا بعد ان نقل الامام علي عليه السلام عاصمته خلال خلافته من المدينة الى الكوفة بعد واقعة الجمل 36هـ / 656م ، فتحولت الكوفة الى مركز التشيع ، وقد اسهمت مساوىء العصر العباسي والأموي في تةسيع رقعة التشيع وترسيخه على الرغم من محاولات اقتلاع جذوره في العراق .
ان وقوع العراق تحت سيطرة سلطات سياسية عدة جعل شيعته يتأثرون في القوة والضعف تبعاً لمييول السلطة وعقيدتها المذهبية ، فقد مرت عليهم حقب مظلمة سوداء تعرضوا فيها لأشد انواع الارهاب الجسدي والفكري .
وظهرت في العراق بعض الكيانات السياسية الاسلامية كالبويهين الشيعة ، وكذلك ظهور امارة عمران بن شاهين في بطائح الغراف في القرن الرابع الهجري ، هذا فضلاً عن بعض الدول التي ظهرت في الحقبة المظلمة .
لكن في حقيقة الامر كانت تخللها مراحل مشرقة يعيشون فيها بحرية ، مما جعل مساحة التيع تتسع في بعض مناطق العراق ، أذ تكونت عدة دول وامارات شعية مثل دولة آل بويه وامارة بني مزيد في الحلة وبني شاهين في البطائح وبني حمدان وآل المسيب في الموصل ونصبين والدولة الجلائرية ، واختلف تأثير هذه الحكومات على اوضاع الشيعة في العراق ، فالحكومات المحلية كانت اقل تأثيراً في تقوية التشيع من الدول الاخرى التي تبسط هيمنتها على العراق بأعتبارها تتلك ثقلا سياسيا مؤثراً على كافة الاوضاع فيالحياة العراقية، وتمثل ارادتها توجها سياسيا عاما .
ان دعم الحكومة الصفوية للتشيع قابله اضطهاد عثماني للشيعة ، حيث اثار اعلان الشاه اسماعيل الصفوي ، بأن التشيع هو المذهب الرسمي في ايران وعلى اثر ذلك مارس السلطان سليم الاول منذ بداية حكمه سياسة الاضطهاد ضد الشيعة ، فأعلن الحرب المذهبية واعتبر الشيعة غير مسلمين واستصدر من رجال الدين في الدولة فتوى بتكفير الشيعة وجواز قتلهم ، ثم وضع خطة للقضاء على الشيعة الساكنين داخل حدوده . كانت الخطة هي تنظيم شرطة سرية يتوزع افرادها في شتى ارجاء الدولة العثمانية من اجل احصاء عدد الشيعة ، فأرسل جنوداً الى الاماكن التي يسكنونها بنسبة عددهم ثم اوعز الى الجنود ان يلقي كل واحد منهم على من بقربة من الشيعة في وقت معين ، وعندها قتل اربعين الفا منهم ، بينما اودع الباقين في السجن المؤبد .
تعرض االعراق نتيجة الصراع المذهبي بين الصفويين والعثمانيين الى احتلال متبادل من قبل الطرفين ، ودفع شيعة العراق الثمن الاكبر في هذا الصراع ، أذ كانوا عرضة للأنتقام العثمانيين الذين اخذوا ينظرون اليهم على انهم امتداد ايراني داخل العراق ، علما بأن العراق حتى تلك الندة لم يكن خاضعا للدولة العثمانية ، لكن العثمانيين وجهوا انظارهم اليه للوقوف امام المد الشيعي الصفوي ، ولمافستهم عليه اي ان الدافع كان مذهبيا سياسيا ، كما ان وقوع العراق تحت الاحتلال المتناةب بين الصفوين والعثمانين عرض الشيعة والسنة الى الاضطهاد المتبادل قد استمرت هذه الحالة الماسوية حتى الاحتلال العثماني الاخير للعراق عام 1638م وفي الحتلال العثماني للعراق تعرض الشيعة لفتك السلطان العثماني حيث قتل خمسون الف شيعي ، وفي العصر الحديث كان لنزوح القبائل الشيعية الى العراق من مواطنها في البادية الجنوبية اثناء الحكم العثماني كانت بعد توطنها تعنق المذهب الشيعي .فيذكر الحيدري في مصنفه عن معظم القبائل المعروفة التي اعتنقت الذهب الشعي في العراق ، ومنها ربيعة التي اعتقت المذهب الشيعي منذ سبعين سنة . مع العلم اناه الف كتابه عام 1869 ، وينبغي ان يضاف الى قائمة الحيدري اتحاد المنتفق الكبير الذي تشيع كله تقريبا في القرن التاسع عشر باستثناء شيوخه من عائلة السعدون الذين ظلوا سنة على مذهب الامام مالك .
لقد عزا المؤرخون العراقيون في القرن التاسع عشر ظاهرة اعتناق القبائل النازحة للعراق للمذهب الشيعي الى نشاط الدعاة والوعاظ الشيعة الذين كانوا ينطلقون من الاماكن المقدسة مثل النجف وكربلاء وسامراء نحو القبائل العربية بغية الدعوة للمذهب الشيعي بينهما ، مع العلم ان الدعاة الشيعة تدربوا على هذها العمل ومارسوا بجد وكفاءة . وينسب اصل القسم الاعظم من عشائر المنتفق التي يقال اناه وصبت العراق في مرحلة مبكرة من التاريخ الاسلامي الى القبائل العثمانية القديمة في الجزيرة العربية رغم ان البعض يدعون انتسابها الى القبائل القحطانية ةالحميرية كذلك .
كان دعاة الشيعة عندما يبدأون نشاطهم الديني الدعوي التعليمي بين القبائل النازحة الى العراق يركزون اهتمامهم على نقطتين مهمتين يستطيع البدوي فهمهما ويقتنع بصحتهما ، اولهما مناقب اهل البيت وثانيهما المظالم التي لقيها ابناء علي عليه وعليهم السلام على يد عاعدائهم ، فعندما هاجرت القبائل العربية من شبه الجزيرة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر واستقرت في اودية النهر تحولوا الى المذهب الشيعي بوساطة علماء الدين ووكلائهم .وقبل ان تبدأ الحكومة العثمانية بسياسة توطين العشائر كانت قبائل البدو الرحل المتجاورة تربطهم روابط الدم والعصبية القبلية ، لكنها كانت تعيش في الوقت نفسه على سرقة جيرانها وذبح حيواناتهم اما بعد التوطين والاستقرار غدا الاحتفاظ بالماشية عاملا مهمها ، فحول المجتمع الرعوي اهتمامه نحو الزراعة لتظل بين هذه المرحلة وسكن المدينة خطوة واحدة ، وان الغالبية العظمى من السكان هم مزارعون ، وان الحافز في النشاط الاجتماعي والعقلي يأتي بالدرجة الاولى من المدن عموما ، ومن المدن المقدسةخصوصا ، وهناك تطورات كبيرة دفعت العشائر الى التشيع بسرعة في وقت متأخر نسبيا سواء في وسط العراق او جنوبه ومن بين هذه التطورات :
ساعد ظهور الوهابيين على تفسير حملة العلماء في النجف وكربلاء لتكثيف عملية تشيع قبائل العراق ، فبحلول العام 1775 اصبح ابن سعود قوة في الجزيرة العربية ، وكان الوهابين قد غزوا العراق مرات عدة ، واغاروا على المنتفق والخزاعل وفرضوا الحصار على النجف مرتين ونهبوا كربلاء عام 1802 ، كما ان القوة الكبيرة التي ارسلها الحاكم المملوكي سليمان باشا باشا الكبير والمؤلفة من عشائر النتفق والظفير وشمر وكعب اخفقت دحر الوهابيين .
لقد عززت هجمات الوهابيين على النجف وكربلاء الهوية الطائفية للعلماء بين يديهم كما انها فتحت عيون علماء الشيعة على الخطر الداهم والدائم من قوة العشائر بصفة عامة والتهديد الذي تشمله العشائر الرحل على مصادر دخلهم بصورة خاصة . فقد كانت الحاجة الى تأمين مدن العتبات المقدسة ةويادة دخلها بايجاد قاعدة اقتصادية محلية تساعد على تفسير اسباب ضغط العلماء الشيعة على العشائر للتشيع بدءا من اواخر القرن الثامن عشر الميلادي ، وتتفق المصادر الشيعية والبريطانية على عدم وجود اي اثر للمذهب الشيعي بين مربي الابل في العراق في اوائل القرن العشرين ، وان المذهب الشيع لم ينتشر الا بين العشائر التي استقرت ، وهكذا احتفظت القبائل الصحراوية بتسننها بلا استثناء تقريبا حتى يومنا هذا .
اما التطور الثاني الذي ساعد على انتشار التشيع بين العشائر في جنوبي العراق ، هو انه عندما بدأ الدعاة والوعاظ الشيعة في ذلك الزمان ساعدتهم في ذلك الاوضاع السلمية نسبيا في البلاد وتراخي سيطرة المماليك على المنطقة الواقعة جنوب بغداد ، كما استفادوا من لامبالاة اخر الولاة المماليك داوود باشا (1817-1831 الذي كان مستعدا على ما يبدو للسكوت عن نشاط الدعاة الشيعة ،وكان لهؤلاء الدعاة والوعاظ قدرة قوية على الاقناع ، أذ ان كل فرد شيعي متوقع منه ان يتبع المجتهد الذي يعطي المجتمع الشيعي قيادة اقوى واحساسا عظيما بالتماسك من نظيره السني ، فععلى سبيل المثال استطاع داود ان يعيد عشيرة الخزاعل الشيعية الى حظيرة الطاعة والهدوء ، بل فعل معها اكثر من ذلك ، فقد اشترك شبخها في تدبير امور البلاد . وكان شيخها عونا لهلا على العشائر وكان يكلف باعمالر ادارية ومالية هامة ، ولاشك ان داود كان يتجه هذا التجاه الى امرسن اولهما ضمان تايد عشيرة قوية له تعينه على العشائر الاخرى والثاني ان يسلب الايرانيين اداة قوية لأثارة المشكلات في وجهه.
اما التطور الاخر الذي ساعد على انتشار التشيع في المنطقة فيكمن في استئناف العثمانين حكمهم المباشر للبلاد بعد العام 1831 الذي توج بسقوط داود باشا اخر المماليك على العراق ، ولم يفهموا المدلولات الاجتماعية لتحول العشائر من الترحال والتنقل الى حياة الاستقرار ، كما انهم لم يدركوا اثار وحجم التشيع الذي قام به الوعاظ والدعاة الشيعة ادراكا كاملا ألا في وقت متاخر من القرن التاسع عشر ، بل ولوحظ في العام 1917 ان عملية دخول القبائل في التشيع مازالت مستمرة بكثافة ، وان هناك حالات من التشيع حتى بين عائلة السعدون التي كانت تدعي انتسابها الى شريف مكة التي كان افرادها من اكبر شيوخ المنتفق ، وهكذا تشيعت الشريفات من اتحاد المنتفق في حين ان الشحيم وهي احدى الافخاذ المكونة لعشيرة ال حميد المتفرعة من المنتفق بقيت سنية جزئيا حتى وقت متأخر من القرن العشرين .
سعى رجال العشائر عند قبولهم بالمذهب الشيعي الى التهرب من الجندية ، كما اصبح التشيع يمثل احتجاجا من جانب العشائر البسطاء على الفوارق المتسعة بين القطاعات الغنية ، لاسيما بعد تحول شيوخ ال سعدون الى ارستقراطية زواعية مع مصالح مدنية قوية . ومن المحتمل ان التشيع كان يعبر عن عمل احتجاجي ضد الحكومة من جانب العشائر ، ومهما يكن من امر فأن انتشار التشيع في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر يعد مؤشرا على تغير العلاقات بين البادية والمدنية ، ولهذا السبب ساعد التاثير على انشاء مدن عدة باستثناء الديوانية وسوق الشيوخ والزبير والحي التي كانت مدنا تأسست قبيل القرن التاسع عشر او في اوائله ، فأن ما لايقل عن عشرين مدينة بضمنها العمارة والناصرية تأسست او توسعت في الشطر الاخير من ذلك القرن ، وكانت الزيادة في عدد من المدن تعكس تفكك الاتحادات العشائرية وتزايد استقرار العشائر.