قراءة
عرض

الطب العدلي

العلامات التأكيدية للموت

ثالثاً : الصمل الموتي ( Rigor mortis )

هو التقلص التدريجي الحاصل بعد الموت في عضلات الجسم المختلفة بعد المرور بفتـرة الرخاوة العضلية الأبتدائية والذي يستمر حتى حدوث التفسخ حيث يزول كما بدأ بشكل تدريجي .

ميكانيكية ( آلية ) حصول الصمل الموتي

يحصل الصمل من جراء فقدان مصدر الطاقة وهو ثلاثي فوسفات الأدينوسين (ATP) في عضلات الجسم المختلفة بعد الموت حيث ينتج ثلاثي فوسفات الأدينوسين أثناء الحياة من التحـول العكسـي لثنائي فوسفات الأدينوسين (ADP) الى ثلاثي فوسفات الأدينوسين بوجود الأوكسجين ومواد أخرى، أما بعد الموت فلن يكون هناك تحول لثنائي فوسفات الأدينوسين الى ثلاثي فوسفات الأدينوسين بسبب أنعدام الأوكسجين ولذلك سوف تستخدم العضلات عملية التحلل اللاهوائي للكلايكوجين ( ( Anaerobic glycolysis من أجل الحصول على مصدر الطاقة حيث يتحول الكلايكوجين الى حامض اللبنيك ( ( Lactic acid وثلاثي فوسفات الأدينوسين فيحدث تقلص في العضلات من جراء تكون مركب معقد من الأشرطة العضلية يسمى بـ (الأكتينومايوسين، Actinomyocin) بوجود حامض اللبنيك

ومع مرور الوقت سوف يحصل تناقص تدريجي في مخزون العضلات من الكلايكوجين الى أن يصل الى الفقـدان التـام وبالتالي فقدان مصدرالطاقة (ثلاثي فوسفات الأدينوسين (بينما يزداد حامض اللبنيك ولذلك لن يكون هناك أنبساط في العضلات بعد حصول التقلص فيها بعد الموت حيث أن أشرطة العضلات من الأكتين والمايوسين Actin and myocin)) تحتاج الى ثلاثي فوسفات الأدينوسين من أجل الأنبساط بعد التقلص ولن يزول ذلك المركب المعقد (الأكتينومايوسين) ألا عند حدوث التفسخ الأبتدائي لأنه يؤدي الى تحلل جميع المواد البروتينية الموجودة في الجسم ومن ضمنها العضلات،

ويحدث الصمل في الجسم بشكل تدريجي بعد المرور بفترة الرخاوة العضلية الأبتدائية أعتماداً على مخزون العضلات من الكلايكوجين حيث يبدأ أولاً في العضلات الصغيرة مثل عضلات جفني العينين ثم العضلات المتوسطة مثل عضـلات البطن ثم يكتمل في العضلات الكبيرة مثل عضلات الفخذين وعندها يمكن رفع الجثة كجزء واحد من دون أن ينثني أي مفصل فيها، ويحصل الصمل في كل من العضلات الهيكلية والملساء ويزول بشكل تدريجي أيضاً ولكن بصورة أسرع من حصوله بسبب حدوث التفسخ الأبتدائي في الجسم .

العوامل المؤثرة على حصول الصمل الموتي

أ- مخزون العضلات من الكلايكوجين .
كلما كانت كمية الكلايكوجين المخزونة في عضلات الجسم كبيرة كلما تأخر حصول الصمل، ولذلك يتأخر حصول الصمل عند الأشخاص ذو الأجسام العضلية الرياضية والأشخاص الذين لايتعرضون الى أجهاد عضلي قبيل الموت، بينما يحصل الصمل بصورة سريعة عند الأشخاص ذو الأجسام الهزيلة والأشخاص الذين يسبق موتهم أجهاد عضلي

وتوجد هنالك ظاهرة خاصة تسمى بـ :

الأصمئلال الحيوي(التشنج الفوري) (. (Cadaveric spasm)
هو التقلص العضلي الشديد والمستديم الذي يحصل قبيل الموت بوقت قصير ويتحد مع الصمل الموتي بدون المرور بفترة الرخاوة العضلية الأبتدائية .
تحصل هذه الظاهرة في مجموعة عضلية واحدة من الجسم وذلك عندما يبذل الشخص جهداً عضلياً كبيراً قبيل الموت مما يؤدي الى نقص كبير في مخزون العضلات من الكلايكوجين كما في الحالات الآتية :
1- في معظم حالات الغرق حيث يكون الشخص الغريق بعد أنتشاله من الماء ممسكاً بقوة في قبضة كفه على مواد غريبة مثل الحصى أو الرمال وغيرها .
2- في بعض حالات الأنتحار حيث يظل الشخص المنتحر ممسكاً بقوة في قبضة كفه على السلاح .
3- عند بعض الجنود المتأهبين للقتال الذين يعانون من توتر نفسي وعضلي قبيل المعركة .

ب- درجة الحرارة .

أن الصمل عبارة عن سلسة من التفاعلات الكيمياوية التي تعتمد على الحرارة كعامل مساعد، ولذلك كلما زادت درجة حرارة المحيط الذي حصل فيه الموت مثل غرفة مغلقة مع وجود مدفئة أو زادت درجة حرارة الجسم نفسه كما في الأمراض الخمجية كلما بدأ الصمل وأكتمل في الجثة بوقت قصير جداً، وفي حالة تعرض الجثة الى حرارة عالية جداً كما في الحروق النـارية التفحمـية فأن جمـيع المـواد البروتـينيـة في الجســم وخاصـة في العضلات سوف تتخثر (of protein Coagulation)

وتسمـى هـذه الحـالة الخاصة بـ (التجـلط الزلالـي) حيـث تصبح جميع العضلات عبارة عن كُتل متفحمة وخالية من أي مادة بروتينية ولذلك لايحصل الصمل في الجثث المتفحمة بسبب ثخثر المادة البروتينية في عضلاتها وبالتالي يصعب تقديرالزمن المنقضي على الوفاة، أما في حالة أنخفاض درجة حرارة المحيط الى أقل من الصفر المئوي (الأنجماد) كما في حالة الموت في المناطق الثلجية أوعند حفظ الجثة في الثلاجات الخاصة بحفظ الجثث فأن الصمل لايحدث أصلاً أو يتوقف أذا كان قد بدأ وذلك لعدم وجود الحرارة كعامل مساعد في سلسلة التفاعلات الكيمياوية وفي هذه الحالة أيضاً يصعب تقدير الزمن المنقضي على الوفاة.

الأهمية الطبية العدلية للصمل الموتي

أ- تشخيص الموت ( علامة تأكيدية للموت ) .
يُعتبر الصمل علامة أكيدة للموت حيث أنه لايمكن أن يحدث أثناء الحياة نهائياً .
ب- تحديد وضعية الجثة أثناء الوفاة (خلال الموت أو بعده بوقت قصير) .
يُستفاد من الصمل في تحديد وضعية الجسم أثناء الوفاة وذلك لكونه تقلصاً عضلياً، فعلى سبيل المثال لو كانت ذراعي الأنسان مربوطة الى خلف الجسم قبل الوفاة ومن ثم حدثت الوفاة وحصل الصمل في الجثة سوف تبقى الذراعين على حالهما (خلف الجسم) حتى أذا تم رفع الرباط عنهما .

ج- تقدير الزمن المنقضي على الوفاة .

يبدأ الصمل مابين (2-4) ساعات بعد الوفاة في الأجواء المعتدلة والباردة، ومن ثم يكتمل في جميع عضلات الجسم مابين (8-12) ساعة بعد الوفاة، ومن ثم يزول مابين (36- 48) ساعة بعد الوفاة وذلك عند حدوث التفسخ الأبتدائي .

رابعاً : التفسُخ ( التَدَعُص ) ( Decomposition

هو الأنحلال التدريجي الحاصل في الجسم بعد الموت أبتداءاً في كيان الأنسجة الرخوة (Soft tissues) الى أن تفنى وتزول جميع مكونات الجسم بما فيها العظام .
يرافق هذه العملية تكون سوائل وغازات ورائحة كريهة نتيجة لتكون غاز ( كبريتيد الهيدروجين ، H2S) ويحصل التفسخ بعمليتين كميائيتين تسمى الأولى بعملية التحلل الذاتي (Autolysis) والتي تحدث عن طريق أنزيمات التحلل الذاتي (Lysosomal enzymes) داخل خلايا الجسم وتسمى الثانية بعملية التُعفن (Putrefaction) والتي تحدث بواسطة الجراثيم القادمة من المحيط الذي حصل فيه الموت أو من داخل أمعاء الأنسان وكذلك الآفات التفسخية (الديدان، Maggots)،


وهنالك أربعة مراحل للتفسخ وهي كما يلي:
أ- مرحلة التفسخ الأبتدائي .
يبدأ التفسخ الأبتدائي مابين (36- 48) ساعة بعد الوفاة في الأجواء المعتدلة والباردة، وأن أول علامة للتفسخ الأبتدائي هو ظهور اللون الأخضر في أسفل الجهة الامامية اليمنى للبطن أي في منطقة الـ (الأعور، (Caecumمن الأمعاء وذلك من جراء أتحاد غاز (كبريتيد الهيدروجين) مع الحديد الموجود في تلك المنطقة مكوناً مركب (كبريتيد الحديد) وهذا المركب هو الذي يعطي اللون الأخضر ومن ثم تدخل الجراثيم الى الدم فيبدأ تفسخ الدم ويتغير لونه فيصبح ذو لون أخضر مسود وبسبب تفسخ الدم تتوسع الأوعية الدموية وتظهر فروعها الخارجية بشكل واضح للعيان على الجلد وبما يشبه فروع الأشجار وتسمى هذه الظاهرة بـ (الترخُم،(Marbling ، وتحصل الرخاوة العضلية الثانوية والتي تعتبر جزءاً من التفسخ الأبتدائي وليست فترة منفصلة بحد ذاتها، ويتغير لون الجلد فيصبح ذو لون بني .

ب- مرحلة التفسخ المتوسط .

يبدأ التفسخ المتوسط في بداية الأسبوع الثاني من الوفاة في الأجواء المعتدلة والباردة، حيث يلاحظ أنتفاخ الوجه والبطن وبروز اللسان وجحوظ العينين وأنتفاخ كيس الصفن عند الذكور وخروج الرحم عند الأناث، وأزدياد حجم الجثة، مع وجود أنسلاخات جلدية غير حيوية، وكذلك ظهور الفقاعات التفسخية (Blisters) والتي تكون مطعجة وغير منتظمة في سطحها الخارجي وتحتوي على سوائل تفسخية خالية من البروتين وتزول بالضغط عليها

ج- مرحلة التفسخ المتقدم .

يبدأ التفسخ المتقدم في بداية الأسبوع الثالث من الوفاة في الأجواء المعتدلة والباردة، حيث يلاحظ سهولة أقتلاع الشعر والأظافر من الجسم أضافة الى علامات التفسخ المتوسط ، مع أنعدام التعرف على المظاهر التشخيصية الخارجية للجسم،وظهور الآفات التفسخية (الديدان).

ء- مرحلة التفسخ المتقدم جداً .

يبدأ التفسخ المتقدم جداً مابين (4-6) أسابيع بعد الوفاة في الأجواء المعتدلة والباردة، حيث يلاحظ زوال معظم الأنسجة الرخوة من الجسم تقريباً، وتكون الأحشاء الداخلية على شكل كُتل نسيجية متناثرة مع أنعدام مظاهرها التشريحية المميزة .
(*) وبعد فترة زمنية تتراوح مابين (3- 6) أشهر من الوفاة تكون الجثة عبارة عن هيكل عظمي مترابط بسبب وجود الأنسجة الرابطة بين العظام .
(*) وبعد فترة زمنية تتراوح مابين (6- 12) شهر من الوفاة تكون الجثة عبارة عن هيكل عظمي متفكك بسبب أنحلال الأنسجة الرابطة بين العظام، وتكون العظام ثقيلة الوزن وذات ملمس دهني ورائحة زنخة.
(*) وبعد فترة زمنية تتراوح مابين (1- 1,5) سنة من الوفاة تصبح العظام خفيفة الوزن وتنعدم فيها الرائحة الزنخة وتكون ذات مظهر وملمس طباشيري .

أن أكثر أعضاء الجسم التي تقاوم التفسخ هي العظام وكذلك البروستات عند الذكور والرحم عند الأناث، ويُعتبر التفسخ من أهم المعضلات الطبية العدلية وذلك لأنه يُضيع معالم الأضرار الخارجية والداخلية في الجسم وكذلك يُضيع المظاهر التشخيصية للجسم

العوامل المؤثرة على حصول التفسخ

أولاً : العوامل التي تُسرع عملية التفسخ .
1- درجة الحرارة .
أن أرتفاع درجة الحرارة يُسرع من عملية التفسخ بصورة كبيرة، وأن درجة الحرارة المناسبة لنمو الجراثيم التفسخية تتراوح مابين (40-60) مْ ، ومصدر هذه الحرارة أما أن يكون من المحيط الذي حصل فيه الموت أو من الجسم نفسه، ولذلك يحصل التفسخ بصورة سريعة عند الأشخاص البدينين بسبب وجود الطبقة الشحمية عندهم والتي تجعل الجسم محتفظاً بحرارته، وكذلك وجود الملابس يُسرع من عملية التفسخ لأنها تجعل الجسم محتفظاً بحرارته .



2- الجراثيم .
تُعتبرالجراثيم العامل الرئيسي الذي يقوم بعملية التفسخ ولذلك فأن وجودها بأعداد كبيرة أن كان من المحيط الذي حصل فيه الموت أو من داخل الجسم سوف يُسرع من عملية التفسخ بصورة كبيرة، وهناك ظاهرة خاصة تسمى بـ (التَعَطُن ، Maceration) وهي عبارة عن حالة خاصة يحصل فيها التفسخ بعملية التحلل الذاتي فقط بدون وجود الجراثيم التفسخية وأفضل مثال على هذه الظاهرة هو موت الجنين داخل رحم الأم الذي يكون خالياً من الجراثيم ((Intrauterine death فيحدث التفسخ للجنين الميت بعملية التحلل الذاتي فقط حيث تكون جثة الجنين هزيلة البنية وذات لون أحمر غامق ورائحة زنخة .

3 - الرطوبة الجوية .

أن أرتفاع الرطوبة وقلة التيارات الهوائية في المحيط الذي حصل فيه الموت يُسرع من عملية التفسخ .

ثانياً : العوامل التي تُعيق أو توقف عملية التفسخ .

1- أنعدام الملابس .
2- التربة الطينية .
3- البنية الهزيلة للمتوفي .
4- التحنط الأصطناعي بالفورمالين .
5- التفحم ( الحروق التفحمية ) .
6- الأنجماد .

7 - التَصَبُن (التَشَمُع الشحمي) . ((Adipocere

هو ظاهرة تتصف بتحول الحوامض الشحمية غير المُشَبعة بالهيدروجين في الجسم بعد الموت الى حوامض شحمية مُشَبعة بعملية الهدرجة فتتحول من شحوم سائلة أو نصف سائلة الى شحوم صلبة . يحتاج التصبن الى وجود عاملين مهمين في المحيط الذي حصل فيه الموت وهما توفر الرطوبة الجوية ودرجة الحرارة الملائمة لنمو الجراثيم المتخصصة بعملية الهدرجة،

ويحدث التصبن في أغلب الأحيان في الجثث الملقاة في المياه الراكدة مثل المستنقعات والمياه الآسنة، ويظهر التصبن بشكل واضح على الجثة بعد حوالي (4 أسابيع) من الوفاة وبنسبة (20%) من المساحة الكلية للجسم وبعد حوالي (12 أسبوع) من الوفاة يصبح بنسبة (70%) من المساحة الكلية للجسم ثم يكتمل في جميع أنحاء الجسم بعد فترة تترواح مابين ( 5-6 ) أشهر من الوفاة، حيث يكتمل التصبن في جميع الأنسجة الشحمية في الجسم ومنها المساريق والدماغ وغيرها

ويكون لون الشحم أبيض مائل للرمادي وذو رائحة زنخة ويشتعل بلهب أزرق، وتكمن الأهمية الطبية العدلية للتصبن فيما يلي :
أ- المحافظة على المظاهر التشخيصية للجسم ( يمكن التعرف على هوية المتوفي ) .
ب- المحافظة على معالم الأضرار الخارجية والداخلية في الجسم .
ج- أعطاء فكرة عن الزمن المنقضي على الوفاة .


8 - التحنط الطبيعي . ( Mummification )
هو ظاهرة تتصف بجفاف وتصلب جميع أنسجة الجسم بعد الموت نتيجة لتبخر كافة السوائل منها مما يؤدي الى تحول الجسم الى كتلة متصلبة تشبه المومياء .
يحتاج التحنط الطبيعي الى وجود عوامل مهمة في المحيط الذي حصل فيه الموت وهي توفر الحرارة العالية المستديمة والتربة الرملية وأنعدام الرطوبة الجوية والحياة الجرثومية أو الحشرية، ويحدث التحنط الطبيعي في أغلب الأحيان في الجثث الملقاة في الصحراء، وتكمن الأهمية الطبية العدلية للتحنط الطبيعي في المحافظة على المظاهر التشخيصية للجسم

وبسب جميع العوامل المذكورة أعلاه والتي تؤثر على حصول التفسخ فلا يمكن الأعتماد على مراحل التفسخ في تقدير الزمن المنقضي على الوفاة ماعدا بعض حالات التفسخ الأبتدائي وفي الأجواء المعتدلة والباردة فقط



رفعت المحاضرة من قبل: Abdalmalik Abdullateef
المشاهدات: لقد قام 11 عضواً و 415 زائراً بقراءة هذه المحاضرة








تسجيل دخول

أو
عبر الحساب الاعتيادي
الرجاء كتابة البريد الالكتروني بشكل صحيح
الرجاء كتابة كلمة المرور
لست عضواً في موقع محاضراتي؟
اضغط هنا للتسجيل