الطب العدلي
(مقدمة مع نبذة تأريخية عن الطب العدلي)يُعرف الطب العدلي بأنه ذلك الفرع من العلوم الطبية الذي يُعنى بدراسة ومعالجة الجانب الطبي من القضايا والوقائع المعروضة أمام الجهات القضائية والتحقيقية، أي بمعنى أخر هو فرع من العلوم الطبية الذي يربط بين الطب والقانون، كما أنه ركن من أركان الكشف عن الجرائم والوقاية منها لخدمة المجتمع بما يقدمه من مدلولات ومؤشرات وأحصائيات، ويسمى الطب العدلي بأسماء أخرى مثل ( الطب القانوني، الطب القضائي، والطب الشرعي )
ويستمد الطب العدلي معلوماته من مصدرين رئيسين وهما كما يلي :
1- مصدر عام :
من مختلف العلوم الطبية الأخرى ( الأساسية والسريرية ) مثل علم التشريح والأمراض والجراحة والنسائية والباطنية وغيرها، فكل هذه العلوم يحتاجها الطبيب العدلي في عمله .
2- مصدر خاص :
من القضايا الطبية العدلية البحتة الغرق وغيرها .
ومن خلال الحقائق التي يكشفها الطب العدلي يستطيع خدمة العدالة في التعرف على طبيعة الحوادث المختلفة وكذلك التعرف على الأحصائيات اللازمة التي تساعد الجهات التحقيقية في عملها لكي يتم الكشف عن الجرائم المختلفة ووقاية المجتمع منها، وتختلف طبيعة عمل الطب العدلي ومجالاته من بلد لأخر أو من مجموعة بلدان الى أخرى حسب قوانين وأعراف تلك البلدان، ومن الجدير بالذكر أن معظم أنواع الوفيات في أغلب بلدان العالم هي قضايا طبية عدلية .
النبذة التأريخية :
أن أول من درس مادة الطب العدلي النظري عند قيام كلية طب في العراق هو الأستاذ الدكتور ( حنا خياط ) وألف فيه أول مؤلف عراقي أسماه ( الدليل في مسالك الطب القانوني ) وذلك في عام (1925) وكانت تُدرس المادة عملياً من قبل الدكتور ( جوبانيان ) ولكن كلا الطبيبين لم يكونا متخصصين بالطب العدلي، وفي عام (1932) أسس الدكتور ( أحمد عزت القيسي) أول طبابة عدلية تابعة للمستشفى الملكي وذلك كونه أول طبيب عدلي أختصاصي في العراقوفي عام ( 1939) تم فصل الطب العدلي عن المستشفى الملكي وألحاقه بمديرية الصحة العامة مباشرة وأطلق عليه أسم معهد الطب العدلي،
وفي عام (1941) أسُست بناية معهد الطب العدلي الحالية لكنها طبعا الأن مرممة ومطورة،
وفي عام ( 1979) تم ألحاق معهد الطب العدلي بوزارة العدل، وبعد عدة سنوات قليلة من ذلك تم ألحاق معهد الطب العدلي بوزارة الصحة ولايزال الى حد الأن،
وفي عام 1987 صدر قانون الطب العدلي الذي نظم عمل الطبابة العدلية في العراق وقد تم تعديله في عام (2013) .
( الأنظمة الطبية العدلية )
النظام الطبي العدلي هو عبارة عن مجموعة من الضوابط والتعليمات التي يـسير بموجبها عـمل الطـبابة العدلية، وتختلف هذه الأنظمة تبعاً للأختلافات القانونية والسياسية والأجتماعية بين دول العالم المختلفة .وتصنف الأنظمة الطبية العدلية في العالم الى أربعة أنواع وهي كما يلي :
• نظام كورونر
وهو من أكـمل وأفضل الأنظمـة الطبيـة العدلية المُتبعة في العالم، والـ ( كورونر) هو عبارة عن مؤسسة متكاملة يديرها شخص يسمى أيضا بالـ ( كورونر) ويكون هذا الشخص ذو منصـب قضائي (قاضي تحقيق مثلاً) أي لديـه شـهادة ومنصب قانوني ولديه أيضاً شهادة طبية عدلـية ويكون ذو تـجربة وخبرة جيدة ومارس أعمال تتعلق بهذا الموضوع لمدة لا بأس بها وهو مـسؤول في مقاطعة معينة من الدولة وتحال اليه جميع الوفيات في تلك المقاطعة والناتجة عن الأصابات العُنفية المخـتلفة مثل الجروح المتنوعـة وحوادث الطرق والحروق وحالات الأختناق والتسمم وغيرها وتحال اليه كذلك الوفيات الطبيعيةويقوم الـ ( كورونر ) بالنـظر فـي تلك الـوفيـات وهـو الـذي يـقـرر أحـالتها الـى الطـبيـب العـدلي المختص والذي Forensic pathologist من أجل تشريحها، والغاية الأساسية من هذا النظام هو التعرف على سبب الوفاة بغض النظرعن وجود دوافع جنائية من عدمه ولذلك فأن أكثر الوفيات يتم تشريحها وبنسبة (90%) تقريباً، ويتم زيارة مكان الحادث من قبل الطبيب العدلي المختص من أجل تحديد طبيعة (كيفية) الموت، أما حالات الأحـياءفيقوم طبيب ثاني بفحصها
(Policeولذلك فهو نظام متكامل ولكنه يحتاج الى تسـهيلات كبـيرة وهـو مطبق في ( بريطانيا وويلز وأستراليا ونيوزيلندا ).
ب- نظام الفاحص الطبي Medical examiner
وهو نظام يعتمد في عمله على الطبيب العدلي المختص بدرجة كبيرة، حيث أعطيت للطبيب العدلي المختص صلاحية قانونية أضافة لصلاحيته الطبية مما يؤدي الى تسهيلات أكثر في مجال العمل، والطبيب العدلي المختص هو الذي يقرر أحتياج المتوفي الى التشريح من عدمه، والغاية الأساسية من هذا النظام هو التعرف على سبب الوفاة بغض النظرعن وجود دوافع جنائية من عدمه، ويتم زيارة مكان الحادث من قبل الطبيب العدلي المختص من أجل تحديد طبيعة الموت، وأن الطبيب العدلي المختص للأموات ليس نفسه للأحياء، وهذا النظام مطـبق في بعـض الولايات المتحدة .نظام الكونتيننتال ( النظام القاري ) Continental .
وهو نظام يعتمد في عمله على الجهات التحقيقية، حيث أن هذه الجهات مثل مراكزالشرطة والقضاء وغيرها تكون هي صـاحبة القرار في أحـالة قضايا الأحياء والأمـوات الى الطبـابة العدليـة وليس الطبيب العدلي المختص وبذلك تكون الطبابة العدلية هي جهة تنفيذية فقط وليس لها الحق برفض أجراء التشريح على الوفيات المحالة اليها من الجهات التحقيقية والتي ليس لها معرفة طبية عدلية جيدة، والغاية الأساسية من هذا النظام هو تشخيص الجريمة ( البحث عن الجريمة ) ومن ثم التعرف على سبب الوفاة ولذلك فأن أعداد الوفيات التي يتم تشريحيها تكون أقل بكثير من نظام الـ ( كورونر)،
• ولا يتم زيارة مكان الحادث من قبل الطبيب العدلي المختص ولذلك لا يتم تحديد طبيعة الموت، وأن الطبيب العدلي المختص للأموات هو نفسه للأحياء، ولذلك يعتبر هذا النظام من أسوء الأنظمـة الطبيـة العدلية المُتبعة في العالم، وهذا النظام مطبق في( فرنسا ومعظم دول أوربا ) .
د- نظام فسكال
وهو نظام يجمع بين بعض خصائص نظام الـ ( الفاحص الطبي ) ونظام الـ ( كونتيننتال ) حيـث أن الطبيب العدلي المختص للأموات هو نفسه للأحياء ولكنه يمتلك بعض الصلاحيات القانونية أضافة لصلاحيته الطبية، والغاية الأساسية من هذا النظام هو تشخيص الجريمة ومن ثم التعرف على سبب الوفاة، وهذا النظام مطبق في ( أسكتلندا ) فقط .النظام الطبي العدلي في العراق
وهو نظام يشبه نظام الـ ( كونتيننتال ) بدرجة كبيرة ولكن لا يتطابق معه كلياً فهو محورعنه بما يتلائم وظروف البلد وقوانينه وأعرافه، ويعتمد النظام الطبي العدلي في العراق عـلى الجهات التحقيقة حيث أن هذه الجهات هي التي تقرر أحالة القضايا الى الطبابة العدلية أي بمعنى آخر أن الطبابة العدلية هي جهة تنفيذية فقط ، وأن الطبيب العدلي المختص للأموات هو نفسه للأحياء، والغاية الأساسية من هذا النظام هو تشخيص الجريمـة ومن ثم التعرف على سبب الوفاة .وأن الكادر الطبي في العراق قليل لأسباب عديدة
ويعتبر معهد الطب العدلي في بغداد هو المركز الرئيسي لأعمال الطبابة العدلية في العراق وهو مرتبط بوزارة الصحة حالياً، وفي كل محافظة يوجد هنالك مركز للطبابـة العدلية يحتوي على صـالة تـشريح فـي المستشـفى المركزي في مركز المحافظة وهو من الناحية الأدارية تابع الى دائرة الصحة في المحافظة بينما من الناحية الطبية الفنية والأستشارية فهو تابع الى معهد الطب العدلي، وتنظم أعمال الطب العدلي في العراق بقانون يسمى قانون الطب العدلي ، ويوجد في العراق شعب تابعة الى وزارة التعليم العالي والغاية منها تدريس مادة الطب العدلي لطلبة كليات الطب والأشراف على الدراسات الأولية والعليا في هذا المجال بالتعاون والتنسيق مع معهد الطب العدلي .